رغم مرور الزمان، هناك بعض الأشياء، أحداث أو غيرها، تبقى راسخة في الأذهان. لكن ما إن يحدث شيء ما، في الحاضر، قد يكون له ارتباط بها، حتى تطفو إلى السطح وتتخيل على أن عهد حدوثها قريب جدا وآن. فيلم معالي الوزير، فيلم مصري، لعب فيه دور البطولة، الفنان الراحل أحمد زكي. روعة هذا الفيلم، الذي لا يمكن لمن شاهده أن ينساه بسهولة، تكمن في أنه يعالج الحقيقة والواقع. واقع السياسة من جهة، وحقيقة الإستوزار من جهة أخرى. فأن تصبح أو تكون وزيرا، مثلا، فربما هذا أسهل بكثير، وهذا ما نلاحظه اليوم، سواء هنا أو هناك. لكن القيام بأعباء هذه الوظيفة السياسية، على أتم وجه، يبقى هو الأصعب بشكل أكبر. أحمد زكي، الوزير، وبعدما مضى عليه مدة من الزمن، في منصب وزير، قام خلالها بأشياء عديدة.. جعلت نفسه تهجرها السكينة والطمأنينة. إذ تسلطت عليه الوساوس، ولم يعد يجد طعما للراحة والنوم. فراح يبحث عنه من مكان إلى مكان، وكل ما وجده، عاد ليهجره من جديد. جرّب النوم في المسجد، فنام، غير أنه طرد منه من طرف فقيه المسجد شر طردة. ثم جرب تدخين الحشيش، لاعتقاده أنه علاج لوساوسه، لكنه ضبط متلبسا من طرف الشرطة، وبعد إخضاعه للحراسة النظرية، في مخفر الشرطة، نام وسط المعتقلين نومة عميقة، دون أن يفصح لأحد عن صفته.. وبعد كل هذا، أصبح مدركا أن النوم الذي لا يأتي إلا مع راحة ضمير، أهم من كل شيء في الدنيا الفانية إلى زوال.. لكن بالنسبة إليه، كوزير، في الفيلم طبعا، كان الأوان قد فات.. فأحداث هذا الفيلم تذكر بما يحصل اليوم، سواء هنا أو في أي بلد آخر متخلف. وزير يتقاضى ملايين من السنتيمات كل شهر، وما خفي أعظم، بينما هناك من لا يجد كسرة خبز ليسد بها رمق جوعه.. ووزير لحقوق الإنسان، يتقاضى هو أيضا الملايين في بلد أطفاله يقضون غرقا بحثا عن قليل من الحق وقليل من الحرية وقليل من العيش الكريم.. وفوق هذا أخذت معاليه العزة بالإثم في الخروج بتصريحات أقرب ما يكون صاحبها حاكم بقبضة من حديد منه إلى وزير حقوق إنسان.. إنه لن يظل مادا رجليه لكي يحرس الحدود من تدفق أطفال بلده ورضعه زرافات زرافات فرارا نحو البحث عن الحقوق والحريات!! ومسؤولون آخرون، ثراؤهم فاق التصور، في بلد يسير المشردون في شوارعه، حفاة عراة كما ولدتهم أمهاتهم.. والتساؤل المطروح هنا، هو أنه مع وجود كل هذه المآسي وكل هذه التناقضات الصارخة، ألم يخاصم النوم عيون هؤلاء المسئولين، الأثرياء جدا، كما خاصم أحمد زكي، الوزير، في فيلم معالي الوزير؟ أم أن القصص والحكايات شيء، والواقع شيء آخر تماما.