مقدمة متواضعة لقد نجحت الحركة الثقافية الامازيغية منذ التاسيس الى حدود سنة 2001 في ايصال الخطاب الثقافي الامازيغي الى اعلى سلطة في البلاد فكان ثمار هذا الخطاب الثقافي المقيد بشروط عهد الراحل الحسن الثاني هي خطاب العرش لسنة 2001 و خطاب اجدير التاريخي في يوم 17 اكتوبر 2001 و المؤسس لما يسمى بسياسة الدولة الجديدة تجاه الامازيغية باعتبارها مكون ثقافي و لغوي عبر انشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية و المسؤول على تدبير ملف الامازيغية ثقافيا و لغويا من خلال ادماج هذا المكون الثقافي في التعليم و في الاعلام . و انذاك قد كنت مازلت شاب معاق الذي بدا يقرا جرائد الوالد و الكتب المتنوعة تحت اصرار ابي الكريم بعدما خرجت من متاهات مشاكلي العميقة مع ايديولوجية التخلف القروي و انطلقت وقتها في مسار طويل مع القراءة و الكتابة مع اهمال تام للمجهود على مستوى الترويض الطبي و المشي اي كنت في بدايات هذا القرن الحالي بعيد كل البعد عن الوعي الامازيغي ببعده الثقافي او السياسي حتى اواخر سنة 2005 حيث نشرت مقالي الاول في حياتي على موقع الحوار المتمدن حول ذكرى خطاب اجدير التاريخي و تاسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بمعنى كنت ادافع عن هذا الاتجاه الثقافي للقضية الامازيغية الذي اعطى مكاسب رمزية لهذه الثقافة الاصيلة في التعليم و في الاعلام و في التراكم المعرفي الخ من هذه المكاسب الرمزية كما اسميها الان . غير ان هذه المكاسب الرمزية و الجوهرية وقتها ان صح التعبير لم تمنع من ظهور الاسئلة المقلقة بالنسبة للمخزن و جل تيارات الاسلام السياسي حيث بدات الحركة الامازيغية تحك قيودها مع خطابها الثقافي العتيق نحو خطاب اكثر وضوحا و يتناسب مع ما نسميه الان بالمرجعية الامازيغية حيث يتكون هذا الخطاب الجديد و المثير للجدل حينها من عناصر من قبيل العلمانية الاصيلة كما اسميها و الاسلام الامازيغي و نظام الحكم الذاتي للجهات المغربية و التعددية الثقافية و الدينية و حقوق المراة الخ. ان هذه العناصر لم تنزل من السماء او لم تاتي من الغرب المسيحي كما يتوهم البعض بل هي اصيلة في تاريخنا الاجتماعي المنسي و المهمش في مقرراتنا الدراسية الى يوم الناس هذا بسبب طغيان ايديولوجية المخزن العتيق تجاه كل ما هو امازيغي بوصفه يدعو الى السيبة كمصطلح مغربي يعني الفوضى حيث استعمل هذا المصطلح كثيرا عند نشاة الحركة الوطنية اوائل ثلاثينات القرن الماضي للاظهار ان الامازيغيين هم دعاة الفوضى و الجاهلية و ليست لهم اية حضارة مدنية او اسلام عميق نهائيا اي مقولة بلاد المخزن و بلاد السيبة. و بسبب طغيان ايديولوجية الاسلام السياسي في العقود الاخيرة بصفة غير مباشرة عبر خطابنا الديني الرسمي و في السنوات الاخيرة بصفة مباشرة بحكم تولي حزب العدالة و التنمية لتسيير الحكومة منذ يناير 2012 الى الان بمعنى ان عناصر الخطاب الجديد لدى الحركة الامازيغية هي اصيلة و ليست دخيلة و هي عماد المرجعية السياسية الامازيغية منذ 2005 عبر الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي الذي حلته وزارة الداخلية سنة 2008 للاسف الشديد .. الى صلب الموضوع قد يقول لي البعض هناك اسلام واحد منذ عصر الرسول الاكرم الى الان حيث هذا من الناحية النظرية هو امر مستحيل للغاية بحكم تعدد الافهام و المذاهب الفقهية و الفرق الفكرية مثل المعتزلة التي تقدم العقل عن النقل حيث ان الاسلام في حقيقته هو دين لا يدعو الى الغاء خصوصيات الشعوب المؤمنة به على الاطلاق… ان انماط التدين الاسلامي تختلف من بلد الى اخر فمثلا ان الاسلام السعودي يختلف اختلاف شاسع عن الاسلام الايراني او عن الاسلام التونسي او عن الاسلام المغربي الاصيل او بعبارة اكثر وضوحا الاسلام الامازيغي لان الامازيغيين هم اصحاب الفضائل الكبرى في بناء الحضارة الاسلامية في شمال افريقيا و جنوب الصحراء الافريقية و اسبانيا بفعل الدول الامازيغية الاسلامية كالدولة المرابطية و الدولة الموحدية و الدولة المرينية و الدولة السعدية و الدولة العلوية الشريفة . ان هذا التاريخ الطويل يعطي الشرعية الكاملة لمصطلح الاسلام الامازيغي كحقيقة تاريخية لا غبار عليها لكن منذ سنة 1956 قد اقبر هذا الاسلام او جزء منه داخل مشهدنا الديني الرسمي لصالح اسلام اهل فاس و ثقافتهم الاندلسية مع التوظيف الجيد للتاويل السلفي للاسلام لمحاربة اي شيء له علاقة بالثقافة الامازيغية بشكل منطلق بالرغم من ان المرحوم المختار السوسي كان وزيرا للاوقاف و الشؤون الاسلامية في حكومة المغرب المستقل و له كتابات جد مشرفة تظهر جوانب كثيرة من ثقافة الامازيغيين الاسلامية و فنونهم التقليدية اي بمعنى انه لم يدعو قط الى تحريمها نهائيا كما يحدث الان مع فقهاء اخر الزمان اي فقهاء الاسلام السياسي.. في سنة 1974 او 1975 قام المرحوم الفقيه الجليل امحمد العثماني ببحثه الجامعي الشهير تحت عنوان الواح جزولة و التشريع الاسلامي تحت اشراف العدو الاول للثقافة الامازيغية الا و هو الراحل علال الفاسي بهدف وضعه في دار الحديث الحسنية بالرباط حيث ان هذا البحث الجامعي قد عرض الثقافة الامازيغية و تقاليدها و حتى حروفها الاصلية تيفيناغ وقتها ثم انتقل الى الاعراف السوسية كما سماها انذاك لان مصطلح الامازيغية كان ممنوعا بل محرما وقتها حيث شرح مضمون هذه القوانين الامازيغية و مدى تناسبها مع المقاصد العليا للشريعة الاسلامية لان المذهب المالكي السلفي لكنه بالمقابل واسع قد اقر بالعرف كمصدر من مصادر التشريع الاسلامي اي ان القوانين الامازيغية العرفية تدخل في نطاق العرف و المصالح المرسلة اي ان القوانين الوضعية الامازيغية هي جزء من قاعدة العرف و قاعدة المصالح المرسلة .. و بعيدا عن هذا التاصيل الفقهي المتواضع مني فان القوانين الوضعية الامازيغية هي انسانية اذ تجرم عقوبة الاعدام كما تطالبه منظمات حقوق الانسانية وطنيا و دوليا بمعنى ان هذه القوانين تقدس حياة الانسان و تعطي حقوقا للمراة في اطار يسمى بالكيد و السعايا اي اقتسام الاموال بين الزوج و الزوجة في حال الطلاق او في حال وفاة الزوج و تفرق بين الشان الديني و الشان السياسي حيث ان الفقيه له مكانته الموقرة داخل المجتمع الامازيغي و يحضر في مجلس اجماعت اي الجماعة كمستشار في امور المسجد فقط لان اجدادنا كانوا متدينين احسن منا لكنهم بالمقابل كانوا علمانيين اي يفرقون او يميزون بين الشان الديني و الشان تمييز ايجابي . لا انسى ان المرحوم امحمد العثماني كان عضو في الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي الى جانب فقهاء اهل سوس الاخرين في منتصف السبعينات اي ان فقهاء اهل سوس كانوا منخرطين في العمل الثقافي الامازيغي قبل الدخول الرسمي للوهابية الى بلادنا سنة 1979 مما يجعلنني اعتقد ان السلطة العليا وقتها كانت تريد محو ذاكرة فقهاء اهل سوس الامازيغية بتعويضها بالفكر الوهابي شيئا فشيئا حتى وصلنا الى يوم الناس هذا . للحديث بقية