مع تضخم المشاكل وتعدد الملفات العالقة وكثافة الضحايا الناجمة عنها بفعل العقلية التأزيمية التي سادت قطاع التعليم ومع المستوى التدبيري المتواضع الذي أبان عليه مسؤولوه منذ عقود ما بعد الاستقلال إلى اليوم، يحدث في كثير من الأحيان ألا تحظى بعض الفئات التعليمية بالاهتمام المستحق بمعاناتها، وذلك راجع إما إلى تقصير من جهتها في إيصال صوتها أو بسبب وضعيتها الحرجة التي تجعلها لا تفصح عما تكابده من ظلم مخافة الانتقام منها والاستغناء عنها. ملف مربيات ومربيي التعليم الأولي هو واحد من أبرز تلك الملفات التي لم تأخذ حقها في التفاعل والتي تتمثل فيها الحكرة في أبشع تجلياتها بحق فئة لا حقوق تملكها ولا ضمانات تحميها من أي تعسف يطالها من أية جهة كانت. ولعل المؤشر الأبرز على الهشاشة التي تعيشها هو عدم توصل جل المربيات والمربيين بمستحقاتهم إلى حدود اللحظة رغم أننا نوشك على إسدال الستار عن الموسم الدراسي، فبأي منطق وتحت أية حجة يتم تأخير أجرهم الهزيل أصلا بعد أشهر من الكد والتعب؟ ما يجري لفئة المربين التربويين فضيحة تدبيرية كبرى لوزارة التربية الوطنية ترقى لأن تطيح بالرؤوس المشرفة عن هذا العبث لو كانت هناك محاسبة ولو توفر أدنى حس بتقدير المسؤولية، وليس بوسع الوزارة أن تتفلت من مسؤوليتها تحت ذريعة ألا علاقة لها بما تصنعه الجمعيات بهم، فكل خرق من جهة تلك الجمعيات هي مسؤولة عنه، ذلك أنها هي من أقحمتها في تدبير هذا السلك التعليمي وهي من تحدد وظائفها وصلاحياتها وهي من تحاسبها أيضا. التعليم الأولي ضحية تعقيدات الوزارة البيروقراطية التي تسيطر عليها ذهنية الإخضاع والتطويع والتملص من الالتزامات حتى لو تسببت في التأسيس لأوضاع هي أبعد ما تكون عن التيسير والوضوح والشفافية التي يتغنى بها مسؤولوها والتي يكذبها الواقع، وما يؤكد ذلك ما انتهجته الوزارة من تفويض طرف ثالث بمهمة تدبير هذا السلك الحساس وهو ما أدى إلى أن تضيع حقوق العاملين فيه بين أطراف متعددة من الجانب المركزي إلى الجهوي إلى الإقليمي إلى الجمعيات الوصية على هذا السلك. وهكذا تم الإجهاز على حقوق أصيلة ثابتة عند كل موظف وموظفة بالنسبة للتعليم الأولي مثل حرمان جل المربيات والمربيين من التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وكذا الاستثناء من العطل السنوية والرخص المرضية المؤدى عنها ناهيك عن الطرد التعسفي بجرة قلم والإذلال المستمر من طرف دركيي المديرية الإقليمية الذين لا يتوجهون إلا إلى الحلقة الأضعف تاركين المسؤولين الكبار في حل من أية متابعة، الشيء الذي يفاقم من متاعبهم على الصعيد المادي والمعنوي. ما يقع لمربيات ومربيي التعليم الأولي يضرب كل الشعارات الجوفاء التي تتشدق بها وزارة التربية الوطنية فيما يخص النهوض بالتعليم الأولي، فالحقيقة أن السلك الجديد يشكل حملا ثقيلا على الوزارة فرض عليها فقط مجاراة للتوجه العام للنظم التربوية الحديثة، وهي باستهانتها به وجعله حقل تجارب لوصفاتها الفاشلة تعبر عن فهمها القاصر لمهام التعليم الأولي والتي لا تعده إلا مرحلة شكلية عابرة. كل هذا لا يخلق بيئة مساعدة لقيام المربيين بأدوارهم الطلائعية الموكلة إليهم. ثم إنها لم تكتف بذلك التفويض الذي ضيع حقوق شغيلة التعليم الأولي على سوءاته، هي أيضا لم تلتزم بما عليها من التزامات بحقهم، فهي تصر على عدم الإفراج عن مستحقاتهم المالية في الأوقات المحددة، حيث تثبت أكاديمياتها الجهوية في هذا الملف وفي ملفات مشابهة له فقدانها للأهلية لا سيما في الشق المالي، والمفارقة أن هذا التلكؤ لا يقع للتعويضات السمينة لكبار موظفيها. وزارة باب الرواح ملزمة بإنصاف مربيات ومربيي التعليم الأولي وإعادة الاعتبار لهم ولمجهوداتهم، ولن يتأتى هذا الأمر بغير تصحيح وضعيتهم الإدارية لا سيما فيما يتعلق بالعقود المؤقتة التي يمكن عدها عقود استرقاق واستبعاد، والتي تشكل واحدة من أبرز النقاط السوداء في المنظومة التعليمية المغربية التي تضرب مصداقيتها في الصميم.