تنشر جريدة "العمق"، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب "مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال"* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين. ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: "التاريخ .. مملكة ذات شرعية" ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: "الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين" ويشمل 8 فصول. أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: "المجتمع .. رصيد من التراكمات"، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع ب "الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها"، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: "السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين"، ويشمل 15 فصلا. القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: "الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة"، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث "كل شيء من أجل الصحراء". وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه "مملكة التناقضات". الحلقة 27: هل لا زال المغرب بلدا شابا؟ في الوقت الذي تشهد فيه الجارة الجزائر طفرة ديموغرافية حقيقية منذ الربيع العربي، حيث ارتفعت الولادات السنوية من 600,000 إلى أكثر من مليون منذ عام 2014، حيث بلغ معدل المواليد أكثر من 25 لكل 1000 نسمة (من أعلى المعدلات في العالم)، انخفض معدل المواليد لكل ألف نسمة في المغرب إلى 18 وهذا التطور السريع له عدة عواقب. الأول هو الانخفاض النسبي في عدد السكان المغاربة، الذي وصل إلى 36.5 مليون نسمة في عام 2019، في حين اقتربت الجزائر من 43 مليون نسمة. كان منحنى البلدين متطابقًا تقريبًا حتى بداية القرن الحادي والعشرين. أما النتيجة الثانية فهي أن النمو الطبيعي للسكان المغاربة يبلغ 1% مقارنة ب 1.7% سنوياً في الجزائر، وهو انخفاض كبير عندما تبدأ التركيبة السكانية الجزائرية في الارتفاع بشكل حاد. وهذا يثير تساؤلات حول ديناميكيات السكان في المغرب وشيخوختهم والظروف التي تتحكم في هذه التطورات. وإدراكاً منه لمخاطر النمو السكاني المفرط على استقرار الدولة، سارع الملك الحسن الثاني إلى تسهيل عملية استعمال وسائل منع الحمل، على الرغم من أن الإجهاض محظور، كما شجع على هجرة رعاياه. وهو النهج الذي اختارته مصر ولكن الذي حدث فيها كما هو الحال في الجزائر منذ الربيع العربي هو عودة الانتعاش الديمغرافي. لماذا أفلت المغرب من هذه الظاهرة؟ وهل التحول الديموغرافي في البلدان العربية الأمازيغية التي تعاني من البؤس الاقتصادي والاجتماعي والاستبداد وانعدام الآفاق، أمر حتمي لا مفر منه؟ تشير الحالتان الجزائرية والمصرية إلى أن التحول المفاجئ كان حتميا وأنه بمجرد أن تحسن الوضع الاقتصادي والأمني في الجزائر سمحت أموال الدولة بعد عام 2011 للشباب بالزواج والاستقرار-وهو أمر حاسم-، وفي مصر فازت جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات في نشوة الثورة المصرية وبعد ذلك بدأت الديموغرافية السكانية ترتفع مرة أخرى. لا شيء من هذا القبيل حدث في المغرب وتونس رغم التحولات السياسية، لا سيما الثورة في تونس أو قيادة الحكومة من طرف الإخوان المسلمين من حزب العدالة والتنمية في المغرب. إن غياب التحسن الاقتصادي، أو حتى التدهور الذي يؤثر على الطبقات العاملة (انخفاض نصيب الفرد من الناتج الداخلي الخام بمقدار النصف في تونس، والاحتجاجات في الريف، وما إلى ذلك) أثرت على الوضع العام. في هذه الظروف من التباطؤ الديموغرافي الدائم، هل يصبح المغرب بلداً ناضجاً ديموغرافياً وهل خرج من لائحة البلدان الشابة مثل الجزائر؟ وقد كان بالفعل ثاني أصغر بلد في أفريقيا في عام 2013 (بعد تونس)، بمتوسط عمر 28.1 سنة. وفي الجزائر، لا يزال من هم دون سن الخامسة والعشرين يشكلون 45 في المائة من السكان، في حين انخفضت هذه النسبة في المملكة إلى 42 في المائة. إن نسبة الشباب مقارنة بمن تزيد أعمارهم على 60 عاما (12 في المائة) لا زالت مرتفعة، ولكن برز منحنى جديد في أوائل القرن الحادي والعشرين وهو أن المرأة القروية تنجب في المتوسط أربعة أطفال بينما نظيرتها في المدينة تكتفي بطفلين. واليوم، انخفض المتوسط إلى اثنين. نعم، المغرب لا يزال بلداً شاباً، لكنه، مثل الصين، منخرط في عملية شيخوخة سريعة لا رجعة فيها. ترجمة: العمق المغربي يتبع … تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة "العمق المغربي".