واقعة الطفل عدنان بوشوف الذي وجد مقتولا بعد اغتصابه يوم 11 شتنبر 2020 بطنجة، تعيد موضوع الإعدام إلى الواجهة وتقسّم المجتمع المغربي إلى أصناف، صنف ينادي بالإعدام بشتى طروقه، وصنف ضد الإعدام مكتفيا فقط بالسجن، وصنف ثالث مع التعذيب قبل الإعدام. وبالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي نجد على الأوراق عقوبة الإعدام (الفصل 474 من القانون الجنائي ، يعاقب على اختطاف قاصر إذا تبعه الموت بالإعدام) لكن تطبيقها غائب، حيث لم ينفذ أي حكم إعدام منذ سنة 1993، وهذا رغم مطالبة المجتمع بتنفيذ الإعدام خاصة على مثل هذه الحوادث، لكن واقع الحال عكس ذلك، فعشرات من الأطفال تم اغتصابهم وقتلهم ولم تطبق العقوبة على أحد مرتكبي هذه الجرائم، بل هناك من البيدوفيليين من نال العفو وتم إطلاق سراحه. (سفاح تارودانت نموذجا) مما يجعل المجرمين في تصاعد وفي أمان. وإذا وقفنا بالتحديد على "واقعة عدنان" فنجدها جامعة لثلاث جرائم كلها ذات طابع جنائي، أولها الاختطاف وثانيها الاغتصاب وثالثها القتل. كل هذه الجرائم المنسوبة لا يعادلها سوى أقصى العقوبات الموجودة في القانون المغربي. حادثة طنجة، تساءلنا جميعا عن الأحكام السابقة التي حصل عليها مرتكبو مثل هذه الجرائم، ومدى صوابيتها، فأكيد، حين ينظر أي مجرم في الأحكام ويعلم أن مصيره بعد القيام بفعله الإجرامي هو الاستمتاع في السجن بضع سنوات والعيش في ظروف ربما أحسن من الظروف التي يعيش فيها وهو خارج السجن، يَقدم على فعله دون تردد. فبالتأكيد كل العقوبات لن تعيد أي مهلوك لأسرته، لكن العقوبة الوحيدة التي تشفي نسبيا الغليل وتداوي الجروح وتُحيي نفوس عائلة الضحية هي الإعدام، فالإعدام بحذ ذاته عقوبة مثله مثل السجن المؤبد أو السجن لسنوات، فهل عقوبة أخرى غير الإعدام ستساهم في نقص الجرائم والحد من خطورتها؟؟ باعتبار مناهضو الإعدام يتحججون بهذه الحجة، كون الإعدام لا يضع حدا لمثل هذه الجرائم، فلا الإعدام ولا السجن المؤبد أو لسنوات سيستأصل هذه الظاهرة المنتشرة في جميع البلدان، لكن الإعدام قد ينقص منها كثيرا، وإذا أردنا تجفيف منابيع التطرف والإرهاب فالحل هو التربية وإعادة النظر في المناهج التعليمية وفتح نقاش حقيقي في الإعلام وإنتاج برامج تلفزيونية وأفلام تربوية تعالج الموضوع بدل أفلام تشجع على ارتكاب جميع أنواع الجرائم. فالعديد من الجرائم التي نشهدها يوميا تؤكد بوجود اختلالات حقيقية في المجتمع وتُقر بفشل المنظومة القيمية لبلادنا، كما تُبرهن لنا أن الطرق التي نعالج بها هذه الظواهر السلبية ليست ذي جدوى، فالمطلوب منا هو استئصال الانحرافات من أصلها، أي قتلها في الوقت الذي لازالت عبارة فيها عن أفكار وقبل أن تتحول إلى سلوكات. وللوصول إلى هذه المنزلة، ما علينا سوى فتح ورش مجتمعي تُشارك فيه كل القوى الحية في المجتمع وكذلك جميع مؤسسات الدولة والمجتمع. إن جريمة الطفل "عدنان بوشوف " ستنبه الدولة بأن تكلفة الجهل والأمية وسياسة التجهيل مكلفة أكثر بكثير من تكلفة العلم والمعرفة والحوار المجتمعي والمؤسساتي، وستبين لها بأن السياسة الأمنية المتعلقة بالجرائم مازالت تشوبها مجموعة من النقائص والثغرات، وآملي هو أن تكون الحادثة سببا لمراجعة الأولويات والتفكير في حلول ناجعة تضع حدا لحالة الفوضى وانتشار الجريمة وتحل محلها مجتمع السلم والآمان؛ كل شيء ممكن، إذا حاول مناهضو الإعدام تغيير شعاراتهم وإعادة النظر في مفهوم حقوق الإنسان، فشعار مناهضو الإعدام هو " الحق في الحياة" فهم يعتبرون الجاني بأن له الحق في الحياة ويحاولون تبرير فعله وينسبونه للمرض النفسي أو فقدان العقل، ولا يهتمون بالضحية أو عائلته، فأقصى ما يطالبون به هو السجن المؤبد، فهل السجن المؤبد يا دعاة حقوق الإنسان سيضع حدا لجريمة الاغتصاب والقتل؟؟ فعلى الاقل، أهل الضحية حينما يذهبون إلى المحكمة يأملون في رد الاعتبار لهم ومعاقبة المجرم أقصى عقوبة حتى لا يعيد جرمه مرة أخرى، لكن كيف ستكون نفسيتهم وهم مسبقا يعرفون أن الإعدام غير موجود في لائحة العقوبات؟ فما الداعي إلى التوجه إلى العدالة ما دام أن الجاني سيصبح حرا بعد قضاء بضع سنوات أو حتى عشرات السنين وسيتمتع بالحياة التي انتزعها من إنسان أخر؟ فالسجن المؤبد للمجرم ليس إلا تكريما له، فالوضع الذي سيصبح عليه هو استفادته من التغذية مجانا، ومن كل أنواع الخدمات كالحمام والرياضة والحلاقة ومشاهدة التلفاز وزيارة العائلة والتطبيب؛ كل هذا على حساب ضرائب المواطنين. فبالنسبة لي، إذا كان للجاني الحق في الحياة، فالضحية أولى منه في الحياة. مناهضو الإعدام في دفوعاتهم يتصرفون كأن القتيل لا حقوق له وأهله لا وجود لهم، وهذا في نظري هو قمة التوحش، فأدنى احترام للأهل، على الأقل الاستماع لهم والأخذ برأيهم بخصوص العقوبة؛ أما التصرف كأن المهلوك عبارة عن حشرة دون مراعاة مشاعر ذوي الضحية فهو مجانب للعرف وللمنطق.