بعد تصاعد الدعوات لإنقاذ مدينة مراكش من تداعيات جائحة "كورونا" و"انهيار" المنظومة الصحية في وجهها، ردت الوزارة بزيارة أسمتها "مفاجئة" لوزير الصحة بعد أن أرسل لجنة وزارية في اليوم السابق مهدت لزيارته أمس الأربعاء، وهي الزيارة التي واكبتها مجموعة من الانتقادات وتمخضت عنها بعض القرارات. مصادر متطابقة أكدت لجريدة "العمق" أن وزير الصحة الذي عقد لقاء مع والي جهة مراكشآسفي كريم قسي لحلو، بحضور كل من مدير المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش الحسن بوخاني، والمديرة الجهوية الصحة ليماء شاكيري، عمد إلى تنظيم زيارة ميدانية إلى مستشفى ابن طفيل التابع للمركز الاستشفائي الجامعي، وهو المستشفى الذي تم إفراغه شبه كليا قبل أيام من أجل الاستعداد لتخصيصه لاستقبال مرضى "كورونا". ولم يقم الوزير والطاقم المرافق له بزيارة مستشفى ابن زهر التابع لمصالح المديرية الجهوية لوزارة الصحة، وهو المستشفى الذي كان سببا في إثارة غضب ساكنة مراكش ومرضى "كورونا"، بسبب انتشار عشرات الصور ومقاطع الفيديو توثق ل"الحالة المزرية" التي يتخبط فيها المستشفى منذ أسابيع، والتي انتهت بخروج الأطقم الصحية عن صمتها وتنظيمها لوقفة احتجاجية تستغيث من خلالها للحد من اختلالات المستشفى المذكور. مستشفى ابن زهر المعروف محليا في بمراكش باسم "المامونية"، يعد النقطة الأكثر سوادا في المنظومة الصحية بالمدينة الحمراء، وهو المستشفى الذي أعفي مديره خلال شهر رمضان السابق، واستقال المدير المعين خلفا له بعد 10 أيام من العمل، كما استقال المدير الثالث بعد مدة أقل من ذلك بسبب ما أرجعه مصدر من داخل المستشفى "استحالة إيجاد حل للوضعية المزرية". زيارة وزير الصحة ووالي الجهة لمستشفى ابن طفيل، والتي دعيت منابر إعلامية محددة دون غيرها لمرافقته، ولم تستدع لها جريدة "العمق"، اكتفى فيها الوفد بزيارة مرآب السيارات القريب من الباب الرئيسي ولم تشمل كل مرافق المستشفى، كما لم يقف على واقع مصالح المستشفى، ومدى جاهزيتها لاستقبال مرضى "كوفيد19". مصدر حضر الزيارة المذكورة، أسر لجريدة "العمق" أن مسؤولا نقابيا اقترح على الوزير بدل تنصيب خيام في المرآب أن يتم فتح البناية المغلقة منذ سنة 2018 لأسباب مجهولة، وهي البناية المكونة من 4 طوابق والقادرة على استيعاب 130 سريرا، و10 أسرة إنعاش، وتضم 7 قاعات جراحية مجهزة بمزودات الأكسجين، ليقوم الوزير بزيارة سريعة لمدخلها، ويعطي تصريحا للصحافيين الحاضرين بأن "الخيام ستكون في انتظار فتح البناية". الزيارة التي وصفت ب"المفاجئة" بالرغم من تداولها بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي بساعات قبل وصول الوزير الوزير للمدينة الحمراء، لم تتمخض عنها أي قرارات تخص علاج "الاختلالات" التي سبق أن تم فضحها من طرف الفاعلين المحليين، والتي كانت جريدة "العمق" سباقة إلى إثارتها. ولم يسفر اجتماع الوزير مع مدير المستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش والمديرة الجهوية للصحة عن أي قرارات تخص تنزيل التدابير الاحترازية بالمؤسسات الصحية بالمدينة الحمراء، ومازال رواد المستشفيات إلى حدود كتابة هذه الأسطر يلجونها دون أن تعريضهم لقياس درجة الحرارة، كما لم يتم إعادة توزيع الكراسي في قاعات الانتظار لاحترام شرط التباعد، كما ما تزال المستشفيات غير مزودة بالمعقمات المخصصة للزائرين والمرضى، ولا تتوفر المراحيض العامة على وسائل النظافة. انتقادات بالجملة وسبق لجريدة "العمق" أن حذرت في أكثر من مقال من الوضعية "الشاذة" التي يعيشها المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، وافتقاده لأدنى مقومات التدابير الاحترازية التي تفرضها السلطات على مختلف المؤسسات الإدارية والتجارية، وهو ما يعرض الأطر الصحية ومرتفقيهم لخطر الإصابة بعدوى "كوفيد19". وسلطت "العمق" الضوء على عدم إخضاع زائري المستشفيات وأقسام المستعجلات لقياس درجات الحرارة، وهو الإجراء التي تحترمه عدد من المؤسسات الإدارية والتجارية، والذي يفترض في مؤسسة صحية من حجم المستشفى الجامعي أن تكون على رأس من يحترمه. في السياق ذاته، لا يوفر المستشفى الجامعي أي مواد معقمة سواء داخل فضاءات المستعجلات ولا في الأبواب، كما لا يوفر الصابون أو وسائل التطهير داخل المراحيض المخصصة للمرضى والمرتفقين. ومن الأخطاء "القاتلة" المناقضة لجهود الحد من الوباء، يسمح المركز الاستشفائي الجامعي بتواجد مرضى يحتمل إصابتهم بالفيروس وسط مرضى آخرين لساعات طويلة، وهو ما سجلته "العمق" خلال تواجدها بقسم مستعجلات مستشفى الرازي قبل أسبوع، حيث ظلت سيدة متقدمة في العمر جالسة في قاعة الانتظار من الساعة الحادية عشر صباحا إلى غاية الساعة السادسة مساء، وفق تصريح جارتها التي صاحبتها إلى المستشفى، قبل أن يوجهها الطبيب الداخلي المكلف بالمعاينة الأولية نحو قسم "كوفيد19" بسبب تصريحها بأن درجة حرارتها مرتفعة، وهو ما أثار تخوفا وسط الحاضرين أن تكون السيدة مصابة وعرضهم تواجدهم بقربها للإصابة بالعدوى. توجيه السيدة المذكورة نحو قسم "كوفيد19″، جاء دون إخضاعها لأي فحص أولي ودون قياس درجة حرارتها، بسبب عدم توفير الآليات اللازمة لذلك للفريق الطبي المشرف على المعاينة الأولية، كما تم توجهيها للذهاب بمفردها دون عزلها عن باقي المرضى والمتواجدين في المستشفى. في السياق ذاته، لم تتخذ إدارة المستشفى الجامعي أي إجراء من أجل ضمان الحفاظ على التباعد الاجتماعي بين المرضى ومصاحبيهم، حيث يجلس الجميع في مقاعد ملتصقة ببعضها، دون ترك أية مسافة، ناهيك عن اضطرار آخرين لافتراش الأرض بسبب الحالة الصحية الحرجة وطول مدة الانتظار. ويفتقد قسم المستعجلات بمستشفى الرازي، الذي سبق أن كان موضوع فضيحة لانتشار داء السل أواخر سنة 2018، لمنافذ تهوية أو مكيفات، وهو ما يرفع من احتمالية الإصابة بالعدوى داخل أروقته، كما يزيد من صعوبة التنفس خصوصا عند ارتداء الكمامة. مصدر طبي تحدثت إليه جريدة "العمق" أكد عدم وجود لمسارات خاصة بالمرضى المشكوك في إصابتهم ب"كوفيد19″، وهو ما يجعلهم يخالطون باقي المرضى غير المصابين بالفيروس، وعلق "وهذا يعني أننا أمام كارثة قد تحول المركز الاستشفائي إلى بؤرة وبائية لا قدر الله". وانتقد المصدر ذاته "عدم وجود أية مصلحة للإرشاد والتوجيه في استقبال الزوار، من أجل حثهم على الحفاظ على تدابير السلامة"، وأفاد أن ندرة حاويات القمامة تجعل العديد من المرضى والمرتفقين يقومون برمي الكمامات والقفازات داخل حديقة المستشفى، والتي تكون في بعض الأحيان مكتظة بالمرتفقين الذين يجبرون على الانتظار طويلا إلى حين تلقي المرضى العلاجات. جدير بالذكر، أن أول حالة إصابة بفيروس "كورونا" المستجد بمدينة آسفي كانت لشابة في العشرينات من عمرها، ظهرت عليها أعراض المرض بعد عودتها من علاج بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش. ورجح يومها، المندوب الإقليمي للصحة بآسفي، عبد الحكيم مستعد، في تصريح لجريدة "العمق" أن تكون الشابة، وهي متزوجة، أصيبت بالعدوى بعد زيارة طبية لها إلى مدينة مراكش، قصد نقل أم زوجها لحضور حصة علاج السرطان بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش.