إذا كان معجمُ لالاند andre lalade يعرفُ التسامح la tolérance بأنهُ: “إستعداد عقلي. أو قاعدة مسلكية قوامها ترك حرية التعبير عن الرأي لكل فرد. حتى وإن كُنا لا نشاطره رأيهُ”. فإنَ التعصُب هُو عدمُ الإستعداد لقبُول حُرية التعبير عن الرأي لكُل فرد نختلفُ معهُ. ومن أنواع التعصُب- إن كان للتعصب أنواعٌ – ما نسميه بالتعصب الديني. الذي تتميزُ به الكثيرُ من الجماعات الدينيةُ في مختلف الديانات. ومن بينها الجماعات الدينية في مجتمعاتنا الإسلامية. وقبل الحديث عن بعض خصائص التعصب الديني عند الجماعات الإسلامية. يجبُ أن نُميز بين مفهومين: هما الدينُ والتدينُ. فالإسلامُ دينٌ يُعبرُ عن فكرةٍ مُطلقةٍ تقوم على نصٍ مؤسِسٍ أول هُو القرانُ الكريمُ كأصلٍ إلهي تابتٍ. أما التدينُ فهو تجربةٌ إنسانية مُتغيرة تتنوع بحسب الزمان والمكان. الدينُ فكرة أصْليةٌ والتديُنُ هو طريقة تمثُل المُتدين وفهمهُ لهذا الأصل التابت. وهذا ما يُميزُ الإسلامَ كدينٍ والمُسلمينَ الذين تَنوعَة تجاربهُم الدينيةُ في فهم هذا الأصل التابت. على أساس هذا التمييز يظهرُ أن تجربة المسلمين الدينيةُ تختلفُ عن الإسلام كدين. هي تجربةٌ تأسست على إجتهادٍ إنساني في فهم نصٍ إلهي.وهُو ما يُفسرُ قولهُ تعالى في القرآن: “وما يعلمُ تأويلهُ إلا الله والراسخُون في العلم يقُولُون امنا به كلٌ من عند ربنا وما يذكرُ إلا أولو الألباب” سورة ال عمران الأية 7. وبغض النظر عن ما دار حول هذه الأية من الخلافِ والإختلافِ في تفسيرها. فإن ابن كثير 701ه/774ه في تفسيره يرى أن القران فيه اياتٌ محكمةٌ واضحةُ الدلالة. وفيه أياتٌ متشابهةٌ غامضةُ المعنى لا يعلمُها إلا الله. لكن الشواهد في تاريخ المسلمين توضحُ أن المسلمين في تجربتهمُ الدينية إجتهدوا في فهم هذه النصوص وابتكُروا لذلك قاعدة التأويل. مما خلف تنوعاً كبيراً في أنماط التدين عبر التاريخ الإسلامي. وخيرُ دليلٍ على ذلك حجمُ الفرقِ والمذاهبِ الإسلاميةُ التي ظهرتْ منذُ البداياتِ الأُولى للإسلامِ. وهُو مَا إعْتَنَى بتوثيقهِ مُؤرخوا الحياة الروحيةِ للمسلمينَ. كالشهرستاني 479ه/548ه في كتابه الملل والنحل والإمام عبد القاهر البغدادي ت429ه في كتابه الفرق بين الفرق وابن حزم 384ه/456ه في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل وأبو الحسن الأشعري 260ه/324ه في كتابه مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. وأفرزتِ التجربةُ الدينيةُ عند المسلمينَ ما لا يُحصى من الفِرقِ والمذاهبِ. يجمعُ بينها الإنتسابُ للإسلامِ و يُفرقُ بينها الكثيرُ من الأراءِ إلى حدِ الصراعِ المذهبي الذي تميز في كثيرٍ من الأحيان بالعنفِ الصريحِ. من خلالِ تعصُبِ كُل فريقٍ لرأيهِ ورفضُ رأي المُخالفِ لهُ. حتى وصل الأمرُ إلى زندقتهِ وتكفيرهِ وإخراجهِ من الملةِ. والمُتصفحُ لأراءِ بعضِ هذه الفرقِ والجماعاتِ يقفُ على حجم التعصُبِ الديني الذي تميز به أتباعُ كل فريقٍ. إنطلاقا من ما سمي بالفِرْقَةِ الناجِيةِ وهُو مفهومٌ كانت كل جماعةٍ تطلقهُ على نفسها. وتعتبرُ الحق بجانبِها وغيرُها على ضلالٍ مُبين. لذلك نجدُ عبد الكريم الشهرستاني يفتتحُ كتابهُ بحديثٍ يُنْسَبُ إلى النبي عليه الصلات والسلام يقول فيه: “ستفترقُ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة. الناجيةُ منها واحدة. والباقون هلكى.قيل: ومن الناجية؟ قال: أهلُ السنة والجماعة.قيل وما السنة والجماعة؟ قال: ما أنا عليهِ اليومُ وأصحابي”. والغريبُ أن كُلَ الفِرقِ والجماعاتُ التي تشعبت عنها التجربية الدينيةُ في تاريخٍ المسلمين تعتبرُ نفسها هي الفرقةُ الناجيةُ. وتعتبرُ المخالف لها فرقةٌ ضالةٌ ومارقةٌ ومُبتدعةٌ. الأمرُ الذي أدى إلى الكثيرِ من مظاهرِ التعصُبِ بين أتباعها. وصلت إلى العُنفِ والحُرُوبِ التي إشتعلت بينهم ولم تنطفئ نارُها إلى اليوم. فمنَ الخوارج والشيعة والأشاعرةُ والإباضيةُ والأزارقة والهاشمية والكرامية والحفصية والزيدية والإسماعلية…إلى يومنا هذا. وللأسف لم يتغير شيءٌ وكأن الزمن لا يتحركُ في مجتمعاتنا. نفسُ الصراعاتِ والأزماتُ التي عشناها منذ ألف وأربعة مئة عامٍ هي ما نعيشهُ الأن. وإن اختلفتِ الأسماءُ والألقابُ. مع الجماعة السلفية و جماعة الهجرة والتكفير والإخوان وطالبان أفغانستان والقاعدة وأنصار الشريعة وجيش النصرة وحزب الله وداعش وشباب الإسلام وبوكو حرام…وكأن التاريخَ لا يتقدمُ في مجتمعنا. ننتجُ نفسَ الخِطابِ وندُورُ في نفس المشكلاتِ. ما يجمعُ هذهِ الجماعاتُ عندما تتأمل أدبياتها هو خطاب التعصب. ونُفُورٌ كبيرٌ من التسامحِ وقبُولِ الأخر حتى ولو كان معها في نفس الملة. وخُذْ على سبيل المثال الصراعُ بين السنةِ والشيعةِ الذي يصلُ إلى حد تكفيرِ كل فِرقَةٍ للأخرى. أو الحربُ بين الإخوان والسلفيين. أو عنفُ جماعة الهجرةِ والتكفيرِ في حق المسلمينَ البسطاءِ الأمنين أوجرائمُ داعش في أهل العراقِ والشام. كلُ هذه الأمثلةُ دليلٌ على أن التعصُب الدينيَ لا يزالُ مُتجدراً في تجربتِنا الدينيةِ. وأن أي إصلاحٍ في مُجتمعاتنا الإسلاميةُ لابُد أن ينطلقَ من تفكيكٍ للخطابِ الدينيِ المُتعصبِ. من أجل بناءِ مجتمعٍ إسلامي مُنفتحٍ. قَادرٍ على الإندماج فِي الحاضِر والمساهمةُ بقوةٍ في بناءِ مجتمعٍ إنسانيٍ مشتركٍ.