في سنة 1975، و بالضبط بمدينة مكسيكو ، تم اطلاق العشرية الدولية للمرأة من طرف منظمة الام المتحدة، تحت شعار ” من أجل إدماج المرأة في التنمية الاقتصادية ” . و بعدها ،أكد المجتمع الدولي على أهمية أن تحظى المرأة بجميع حقوقها ، و مساواتها بالرجل، كشرط أساسي للتنمية، وذلك بمناسبة الندوة الرابعة حول المرأة و التي احتضنتها بكين ما بين 5 و 13 من شهر شتنبر سنة 1995. و تبنت هذه الندوة عدة توصيات تروم تعزيز مكانة المرأة و تمتيعها بحقوقها الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية. فقد ادرك المجتمع الدولي ان طريق التنمية يمر عبر إدماج حقيقي و كلي للمرأة في المجتمع ، و هذه الحقيقة تسري بشكل كلي و بشكل خاص على المرأة القروية. في المغرب، تشير الاحصائيات ان المرأة القروية تمثل ازيد من 50,3٪ في المائة من مجموع النساء.(احصاء 2014). و هؤلاء النسوة ، اللائي يقبع اغلبهن في الامية و الفقر (81,1٪ من النساء القرويات لا يعرفن القراءة و لا الكتابة )، يشكلن العمود الفقري للنشاط الاقتصادي ، و القوة العاملة الرئيسية على ارض الواقع. كل ذلك والاحصائيات الرسمية تدرجهن في خانة العاطلات عن العمل. و هذا أول ظلم يطالهن ، من بين عدة انواع الحيف الذي يمارس على هؤلاء النساء القرويات . وبما أن الاحصائيات الرسمية و المؤسساتية للدولة لا تعترف بعمل المرأة الا اذا كان مؤدى عنه، و بمقابل مادي واضح، حيث تدرج الاحصائيات الاقتصادية عمل البيت و العناية بالأسرة ، و عمل المرأة في الحقول و الانتاج الفلاحي العائلي وتربية المواشي و عملها في الصناعة التقليدية داخل بيتها… في خانة الاعمال غير المنتجة، ولا يتم الاعتراف لها به، عكس الرجل . و كأن عمل المرأة يعد ثانويا و بدون نتائج اجتماعية او اقتصادية. في هذا المقال، سنحاول تسليط الاضواء على عمل المرأة ، و المرأة القروية في منطقة تافلالت و املشيل ، بشكل خاص، باعتباره مصدرا اقتصاديا ذا اهمية بالغة، يساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني، رغم كونه غير مرئي ،و يتم الحاقه بصف العطالة . صحيح ان النساء القرويات لا يشكلن كيانا موحدا و متجانسا، وان تنوع اوضاعهن ناتج عن تعدد السياقات الاجتماعية و الجغرافية و الاقتصادية ، و اختلاف فئاتهن العمرية، لكن مجرد القاء نظرة بسيطة على معيشهن و حياتهن اليومية يبين انهن يلتقين في نقطة مشتركة : كونهن المصدر الاقتصادي الهام و الحيوي الاكثر تجاهلا. فحضور المرأة بشكل عام داخل الاسرة /المنزل، و خارجها حضور دائم. فبالإضافة الى الأعمال المنزلية ، تضل المرأة القروية حاضرة بشكل قوي في الانشطة الفلاحية ،في تربية المواشي و في اعمال الصناعة التقليدية. و رغم مساهمة هذه الادوار و المهام في انتعاش و انبثاق الاقتصاد القروي ، فان الارقام و الاحصائيات الرسمية المتعلقة بالبادية، لا تعكس هذه المساهمة الفعلية و الملموسة للنساء القرويات في الانتاج الفلاحي خاصة. هذا العمل الخفي يجد تفسيرا له اساسا في كون المرأة القروية تباشر دور المنتجة موازاة مع ادائها لواجباتها المنزلية و الاسرية. قبل تناول أنشطة المرأة، و أهم العراقيل التي تقف دون انفتاحها و انعتاقها، نورد هنا بعض الارقام المتعلقة بالخصائص والمؤشرات الديمغرافية، المتعلقة بواقع المرأة القروية: في احصاء 1982، بلغ عدد النساء القرويات 5ملايين و 892 ألفا، مقابل 4ملايين و 972 ألفا سنة 1971. لينتقل هذا الرقم الى 6ملايين و 810 ألاف سنة 1994 . هذا الرقم سيعرف تناقصا طفيفا سنة 2019 حيث بلغ عدد النساء القرويات 6ملايين و 500 الف ( المصدر: المندوبية السامية للتخطيط). تمثل النساء نصف الساكنة القروية المغربية بنسبة 49,2 ٪، و هي بذلك تضل قوة و امكانا بشريا هاما، خاصة وان 59,4٪ منهن من الفئة العمرية النشيطة (15-59 سنة). تظل أغلب هؤلاء النسوة غير متعلمات. فرغم التطور الايجابي الملحوظ في نسب تمدرس الفتاة على الصعيد الوطني، فان الاحصائيات المتعلقة بالمرأة القروية لازالت متدنية كلما تعلق الامر بالفتاة القروية. فبالرغم من ارتفاع أعداد الفتيات المتمدرسة، في السلك الابتدائي، لازالت الاسلاك الاخرى مستعصية و موصدة امامها، و تعبر بشكل جلي عن اقصاء وتهميش ممنهجين لازمين للمرأة القروية عامة و للفتاة القروية بشكل أدق. في الموسم الدراسي 2017-2018 استطاعت 101,55٪ من الفتيات القرويات الولوج الى المدارس الابتدائية، مقابل 96,2 من الفتيات في المجال الحضري. لكن هذه الارقام سرعان ما تنقلب ضد الفتاة القروية الى 12,48 حين يتعلق الامر بالسلك الثانوي. مقابل 57,39 لصالح الفتاة الحضرية. هذا الاقصاء و الهدر الملازم للفتاة القروية يجد تفسيرا له في الدور الاجتماعي المنتظر من المرأة القروية ، و طبيعة الانشطة التي تتولاها داخل المنظومة الاقتصادي للبلد. أنشطة المرأة القروية: على اختلاف العادات و التقاليد ، وتباينها من مجال لآخر، تختلف الانشطة و الادوار الاجتماعية و الاقتصادية للمرأة القروية. وحتى يستقيم الحديث عن هذه الادوار الملازمة للفتاة القروية ، لابد من ربطها بالمجال الجغرافي و الاجتماعي الذي تتواجد فيه المرأة القروية. لان ذلك من شأنه ان يقدم لنا تفسيرا لهذا التهميش لدور المرأة و التقليل من مساهمتها في التنمية. وسنركز حديثنا عن المرأة القروية بمنطقة تافلالت و عن مختلف الاعمال التي تقوم بها سواء داخل البيت او خارجه ، و مختلف الانشطة الاقتصادية و المدة التي تقضيها في انجاز هذا النوع من الانشطة. في اول خطوة، تواجهنا مشكلة منهجية في احتساب المدة الزمنية التي تقضيها المرأة في انجاز الانشطة الاقتصادية ، لان ذلك يظل امرا في غاية الصعوبة، على اعتبار ان المرأة القروية تباشر عدة مهام بشكل متزامن. لكننا سنعمد الى فصل بين المهام و الانشطة ، لغرض الدراسة و استخلاص النتائج، و لو أن جميع هذه الانشطة تقوم بها المرأة القروية بشكل متزامن و متداخل. في دراسة قام بها المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتافلالت ، وهمت ثلاث مناطق متباينة : منطقة جبلية و منطقة واحية و منطقة سهلية، بينت نتائج هذه الدراسة ان النساء القرويات ، و على الرغم من اختلاف المجالات، توحدهن صعوبة و ثقل المهام الاسرية، و عسر الولوج الى التكوين. و تطالهن بشكل متساو الامية وبنسب عالية، تتراوح ما بين ٪ 93 و ٪ 95 . وتعاني المرأة القروية في جميع هذه المناطق من صعوبة الولوج الى جميع الخدمات، وتزيد التغيرات المناخية من معاناتها، و من تدهور وضعها وتضحياتها غير المعترف بها. فالجفاف يضاعف معاناتها، و التقاليد الاجتماعية المنحازة للرجل تعقد وصولها المحدود إلى التكنولوجيا والممتلكات والتمويل بأسعار معقولة وطويلة الأجل والمياه والطاقة والبنية التحتية والخدمات التشغيلية. في خضم كل هذه الحواجز، وزيادة أعباء العمل وهيمنة الرجال، تجد النساء القرويات أنفسهن مضطرات لمواصلة كفاحهن لدعم أسرهن، وضمان الأمن الغذائي للمجتمع والمساهمة في النمو الاقتصادي الذي لا يستفدن منه ولا يجنين ثماره. وعموما ، يمكن اجمال الانشطة التي تقوم بها النساء القرويات في هذه المناطق في ما يلي: – الاعمال المنزلية: من اعتناء بالأطفال ، وتربيتهم و اعداد الطعام و الاكل، و التزود بالماء و الحطب و القيام بأعمال النظافة و الغسيل و تنظيف البيت ، وتخزين المواد الفلاحية. – الانتاج الفلاحي: تأتي تربية الحيوانات كأهم نشاط يومي لدى النساء القرويات في منطقة تافلالت، بعد الاعمال المنزلية. يتعلق الامر خصوصا بجلب و تقديم العلف و الكلأ للماشية، و الاعتناء بصغار الماشية و تنظيف الحظائر و الاعتناء بصحة القطيع و تقديم الماء له، اضافة الى تربية الدواجن و الارانب. – العمل في الحقول: المرأة القروية بتافلالت لا تشارك الا لماما في اعمال الزراعة و في اشغال معالجة النباتات و السقي، لكن بالمقابل نجد اكثر من 80 منهن يقمن بأعمال من قبيل ازالة الاعشاب الضارة و نقل الحبوب و حصادها و جني الزيتون و الفواكه ،و تجميع التمر و معالجته و المشاركة في اعمال الحصاد …أما ال20 ٪ المتبقية، فهن نساء قصور “الشرفاء” المتحجبات، و اللائي تمنعهن التقاليد من الخروج و مخالطة الاغراب. العمل في الصناعة التقليدية: حسب نفس البحث المنجز من طرف المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتافلالت، فان 35 ٪ من النساء القرويات بمنطقة تافلالت يشتغلن في اعمال الصناعة التقليدية داخل بيوتهن( انتاج الزرابي الجلاليب و الحصائر …الخ) و في اعمال الخياطة و الطرز. و الفئة النشيطة في هذا المجال هي فئة الفتيات الصغيرات و اليافعات، اللائي غادرن المدرسة او اللائي لم يحظين نهائيا بفرصة التمدرس و لم يسبق لهن ان ولجن المدرسة بشكل مطلق. و يتبين من خلال بعض الارقام الواردة في البحث ان نساء المناطق الجبلية يعملن اكثر من نساء الواحة، حيث يصل معدل الساعات التي يقضينها في العمل الى ازيد من 12 ساعة ونصف في اليوم. ميشيل كاسريال (Michèle Kastriel ) وهي سوسيولجية عاشت مدة طويلة نسبيا بإملشيل، رسمت جدولا زمنيا يوميا لنساء المنطقة ، و أوردت فيه هذه المعطيات: الفتيات في سن 7 سنين : يجلبن الماء من “العين” ، و يقمن بغسل أواني الطبخ ، و حراسة الماشية بالمنزل و الاعتناء بالأطفال الصغار. البنات في سن الثالثة عشرة: يقمن بأعمال البيت من طبخ و اعداد الخبز و كنس المنزل، و الخروج الى الحقول لجلب الكلأ للماشية ، و غسل الملابس في المجاري المائية (الوادي) و جلب الماء الى لبيت. النساء الشابات: الاعتناء بالأطفال و غزل الصوف و اعداد المنسج و اعمال النظافة (غسل الملابس ) و جلب الحطب النساء المسنات : اعمال النسيج و الصوف، و العناية بالأطفال و الحيوانات الاليفة و الدواجن و اعداد الخبز و حلب البقر و تهيئة الحليب . يبدو من خلال المعطيات التي أوردناها ، أن المرأة القروية بهذه المناطق تساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية و في الانتاج، الا ان عملها هذا يتم تجاوزه و لا تعترف به الاحصائيات، ويتم الحاق نتائجه بالرجل . في ظلم مزدوج تتعرض له المرأة القروية، وفي تجاهل تام لمساهمتها القوية في التنمية. امام كل هذه العراقيل التي تواجه المرأة القروية و تحول دون اندماجها الحقيقي في عملية التنمية ، يحق لنا ان نتساءل حول جدوى الخطوات التي تتخذها الدولة في هذا الاطار، و هل هي كافية لتجاوز هذه الوضعية ، ام ان الامر يتطلب تظافر الكثير من الاطراف و بذل المزيد من الجهود على اكثر من صعيد. بل و الانتباه الى ما ينتجه علم الاجتماع القروي في هذا الصدد ، خاصة وان الاشكال يتجاوز البعد المادي و السياسي الى بعده الاجتماعي و الثقافي. ان مسالة ادماج المرأة القروية في التنمية يسائل استراتيجية الدولة و يسائل صناع القرار. فالإجراءات المتفرقة و غير المندمجة لا يمكن ان تستجيب لوحدها لمتطلبات التنمية. ويبقى الحل في البدء و في الاخير بيد الدولة، و الباحثين و منظمات المجتمع المدني، الذين يجب عليكم العمل بشكل متكامل ، و تتظافر جهودهم لإنجاح كل سياسة تروم ادماج المرأة القروية في التنمية. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة