تعليم النساء وتهيئ شروط تنمية قروية شمولية فعلية هما الكفيلان بخلق الظروف الملائمة لحياة أفضل بالنسبة للنساء القرويات ومن خلالهن بقية أفراد الأسرة والمجتمع المحلي، كل الأبحاث تؤكد أنه إذا تحسنت ظروف المرأة تحسنت معها ظروف كل أفراد الأسرة على خلاف الرجل الذي يتجه إلى توسيع المزرعة والماشية قبل التفكير في تحسين شروط عيش من حوله. إذ أن أشكال وأولويات الإنفاق تختلف بين النساء والذكور، فبينما تهتم النساء بتحسين التغذية ونوعية الحياة وشروط العيش بالنسبة للأسرة ككل يهتم الرجال بقضاء حاجات فردية بسيطة لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، دون الالتفات الى العالم القروي والاعتراف بأهمية أدوار المرأة في البادية المغربية كمنتجة ،في أقصى الظروف، إذا كانت النساء في المدن يعشن على تنظيم أوقات النوم والغداء والعمل والراحة ،و وجود كل ضروريات الحياة، فان المرأة القروية لا تنام ولا ترتاح سوى لسويعات قلائل في غياب كبير لأهم المستلزمات، اذ تستيقظ في جوف الليل وهي ملتزمة مع برنامج متنوع و حافل بالعمل المتعب ،لا تأكل الا على ما زرعت بأيدها وما حصدت وحطبت وهي لازالت توفر الغذاء لأسرتها على الرغم من إمكانيتها المحدودة ،وعلى الرغم كذلك من سوء أحوال الطقس، وتحالف الطبيعة والمسؤولين ، فهي لازالت تعاني من تفاقم الهوة بين ما تقوم به من دور في الإنتاج و التأمين الغذائي وبين مكانتها في المجتمع... ومادامت القوانين والأعراف لازالت تقزم أدوار المرأة عموما في الوظيفة المنزلية والإنجابية وتجاهل المهام والمسؤوليات التي تجعل منها شريك أساسي في التنمية، ومادام المسؤولين لم يقدرون حجم معاناة المرأة القروية ومدى أهمية دورها في تحقيق الأمن الغذائي لأسرتها ولمحيطها المحلي وكذا للأجيال المقبلة، فان جميع المكتسبات التي حققتها الحركة النسائية لنضالات تزيد عن 40 سنة قد تبدو ضعيفة جدا مادام واقع المرأة القروية يثير الشفقة... فالمرأة بالبادية لازالت تعمل على جلب الماء من السواقي و العيون وتذهب الى الغابة لحطب الوقود وهي من المهام الشاقة، إضافة الى جمع العلف ورعي المواشي، ثم جمع الأعشاب الطبية التي تعتبر صيدلة الاسرة الدائمة، و هناك زراعات تعتمد أكثر على عمل النساء كيد عاملة أسرية أو مأجورة تتجلى في الحبوب ، البقوليات ، المزروعات الكلئية وتعتمد القلع اليدوي للطفيليات ، الحصاد ، النقل و التخزين . إضافة أنها تساهم بجانب الرجل في جمع الثمار ) الزيتون ، اللوز ، التين ......( جني ، نقل ، تخزين ، تحويل و تجهيز الثمار إلى مواد صالحة للتسويق و الاستهلاك . كما تقوم بتحويل المنتجات الحيوانية لاستهلاك الأسرة أو التسويق... و يعتبر دور تنقية البذور من اختصاص النساء القرويات و يتم نقل الخبرات من جيل إلى آخر( . - المحافظة على العادات الغذائية للمنطقة وكذلك المعالجة المحلية بالأعشاب الطبية الموجودة.... المرأة القروية والإكراهات... ضعف التمدرس و تفشي الأمية وسط الفتيات ،اكراه مادي تعيشه الاناث بالعالم القروي حيث أكدت احصائيات أن أغلب الفتيات اللواتي يتراوح عمرهن ما بين 8 و 13 سنة لا يذهبن للمدرسة بالرغم من جهود الدولة والجمعيات لمحاربة الهدر المدرسي، ويرجع ذالك الى اسباب سوسيوثقافية وهي مرتبطة بطغيان العقلية الذكورية باعتبار ان المرأة خلقت لمشاق البيت إضافة الى ضعف البنيات التحتية حيث انعدام أو بعد المؤسسات التربوية، وكذا عوامل اجتماعية تتعلق بفقر العائلات وحاجتهن الأساسية الى المال مما جعلهم يدفعون بناتهم للعمل في البيوت وجعل البادية مصدرا رئيسيا تشغيل عاملات البيوت... كما تعاني المرأة القروية من انعدام أو بعد المراكز الصحية عن المنطقة، مما جعلها تلجأ إلى المعالجة بالطرق التقليدية وقد أدى دالك الى الزيادة في عدد الوفيات عند الأمهات أثناء الولادة وكدا الأطفال... ومن بين الإكراهات التي تعانيها المرأة القروية هناك اكراه قانوني يتعلق بزاوج القاصرات والزواج الغير موثق، برغم تقدم القوانين فيما يتعلق بمدونة الأحوال الشخصية ورغم التوعية والتأطير لازال زواج القاصرات متفشيا بالعالم القروي و على الرغم من أنّ مدوّنة الأسرة التي صادق عليها البرلمان سنة 2004 تنصّ على تحديد سن الزواج في 18 سنة فان نسبة 55% من الزيجات المسجّلة نواحي ورزازات، تقلّ أعمار الزوجات فيها عن السنّ القانونية التي حدّدتها المدونة؛ أكثر من ذلك، تصل نسبة عدد المتزوّجات منهنّ بدون عقد إلى 72%، بينما بلغت نسبة القاصرات المتزوجات في نواحي تارودانت 40%، وعدد الزيجات غير الموثقة 31%. في المقابل، لم يتعدّ عدد حالات الطلاق المسجّلة 2% فقط؛ وتفسّر نسبة الطلاق المتدنّية حسب ما سجّله بحث، أنجزته جمعية «ايطو» بمجموعة من العوامل، منها الخوف من الطلاق كمفهوم، ومن نظرة المحيط للمطلّقة؛ الخوف من العودة إلى الأسرة الممتدّة... ومن بين الاكراهات الاجتماعية ايضا التي تعانيها المرأة القروية ان اغلب النساء لا يملكن أراضي فلاحية الا في حالات نادرة حيث في ثقافة بعض القبائل نجد استحالة قبول تمليك الأراضي للنساء حيث يتم تعوضهن من طرف ورثتهم من الذكور او يقصينهم بشكل نهائي... كما تعتبر الهجرة القروية عند الرجال من بين الإكراهات التي تزيد من عبئ الأعمال والمسؤوليات الملقاة على المرأة بشكل يتجاوز طاقتها الطبيعية... إضافة الى صعوبة تسويق المنتجات النسائية بالمنطقة من العوائق التي تحد من اندماج المرأة في النسيج الاقتصادي وذالك يرجع إلى ضعف المهارات في مجال التسويق ثم العادات والتقاليد التي تحد من حركية النساء ... كما أن ضعف تمثيلية النساء في مراكز قرار التنظيمات المهنية والجمعوية ساهم في جعلها لا تمثل قوة ضاغطة للأجل نزع كافة حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والمتمثلة في فك العزلة والعيش الكريم... ارقام واحصائيات حول المرأة بالبادية... تشير معطيات المندوبية إلى ان عدد النساء بلغ سنة 2011 حوالي 16,4 مليون امرأة (أي ما يمثل 50,8% من مجموع السكان) تعيش 41,6% منهن بالوسط القروي. وتتميز النساء القرويات بتركيبة سكانية فتية مقارنة بالنساء الحضريات، حيث تبلغ نسبة اللواتي تقل أعمارهن عن 15 سنة 29% مقابل 24%. وبالنسبة لباقي الفئات العمرية، فإن حوالي الثلثين (62.2%) هن في سن العمل (15-59 سنة) و 8,8% يبلغ عمرهن 60 سنة فما فوق. وتعزى البنية الفتية للنساء القرويات، إضافة إلى عامل الهجرة القروية، إلى ارتفاع معدل الخصوبة الذي بلغ، رغم ما يعرفه من تراجع متواصل، 2,7 طفل لكل امرأة مقابل 1,8سنة وبلغ متوسط السن عند الزواج لدى النساء بالوسط القروي في الفترة 2009-2010 حوالي 25,6 سنة، أي أقل ب 1,8 سنة مقارنة بالوسط الحضري. أما الزواج المبكر في صفوف النساء القرويات، فإنه في تراجع مستمر، إذ بلغت نسبة العازبات لدى الفئة العمرية 15-19 سنة ما يناهز 87,9% سنة 2010 مقابل 84,4% سنة 1994. وفيما يخص معدلات الوفيات، الذي يعد أمل الحياة عند الولادة تعبيرا ملخصا لها، فإن النساء القرويات يعشن في المتوسط 6,4 سنة أقل من نظيراتهن الحضريات (73 سنة مقابل 79,4 سنة). ويفسر هذا التفاوت جزئيا بالارتفاع النسبي لمعدل الوفيات لدى صغيرات السن، حيث أن 32 رضيعة من أصل 1000 بالوسط القروي تتوفين قبل بلوغهن سنة كاملة (يبلغ هذا المعدل بالوسط الحضري 22,7 في الألف). أما بالنسبة للفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين سنة وأقل من 5 سنوات، فإن هذا المعدل يبلغ 6,6 في الألف بالوسط القروي مقابل 5,1 في الألف بالوسط الحضري. وفي مجال التعليم، تسجل المرأة القروية تأخرا ملموسا مقارنة مع نظيرتها الحضرية. وهكذا، فإن 58,2% من الفتيات والنساء القرويات البالغات 10 سنوات أو أكثر، لا تتوفرن على أي مستوى تعليمي سنة 2011 (مقابل 29,8% بالمدن)، و0,6% من بينهن فقط تتوفرن على مستوى تعليمي عالي (مقابل 8,7% في المدن). إلا أن من شأن هذا المستوى أن يتحسن بفضل تعميم التمدرس، حيث بلغ معدل تمدرس الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 6 و11 سنة بالوسط القروي حوالي 91,8% في الفترة 2009-2010 مقابل 62,2% فقط في الفترة 1999-2000 (95,1% و 87,4% في المدن على التوالي... اما بخصوص وضعية المرأة في سوق الشغل، فإن النساء القرويات هن أكثر نشاطا نسبيا من نظيراتهن بالمدن، حيث بلغ معدل النشاط لدى اللواتي يبلغن 15 سنة فما فوق 36,6% سنة 2011، وهو ما يعادل ضعف نظيره بالوسط الحضري (18,1%). إلا أن هذا المعدل يبقى متدنيا مقارنة مع معدل نشاط الرجال بالقرى الذي يبلغ 80,5%. وتتوفر جل النساء النشيطات بالوسط القروي على عمل (نشيطات مشتغلات) ولا توجد إلا 2,1% منهن في وضعية بطالة. وتشتغل أغلبهن في الفلاحة (94%)، حيث تمثلن 41,6% من القوى العاملة في هذا القطاع. كما أن 3 نساء نشيطات مشتغلات من أصل كل 4 في الوسط القروي تشتغلن كمساعدات عائليات (عمل بدون أجر) مقابل 4,6% فقط في المدن، حيث يطغى العمل المأجور (80,5% من النشيطات المشتغلات بالمدن مقابل 5.5% في المناطق القروية). ويهم التشغيل الذاتي 17,6% من النشيطات المشتغلات بالوسط القروي مقابل 11,8% في المناطق الحضرية. في سنة 2011، بلغت نسبة الأسر التي تترأسها امرأة 16% من مجموع الأسر القروية (مقابل 20,8% في المدن)، نصفهن تقريبا أرامل (50,5%) و39,7% متزوجات و6,3% مطلقات. كما أن 63,2% تقريبا من ربات الأسر غير نشيطات، فيما تزاول 36,2% منهن نشاطا اقتصاديا... وتعتبر المرأة الدكالية من انشط النساء في المغرب حسب دراسة انجزنها المندوبية السامية للإحصاء حيث يصل عددهن حسب الإحصاءات الفلاحية إلى حوالي عشرة آلاف مزارعة أي 11،3 % من مجموع المزارعين بدكالة و% 4،5 من مجموع المزارعات على المستوى الوطني... إن إشراك النساء في التنمية القروية والتنمية الزراعية لا ينبغي أن يبقي خطابا مناسباتي، أو ورقة سياسية تثار كلما اقتضت الظروف الى ذلك، فالنساء القرويات في الواقع فاعلات اقتصاديات حاضرات وبقوة في كل مجالات الإنتاج الفلاحي وإن ندرت، وبكل أسف استفادتهن مما ينجز من حولهن من مشاريع ومن برامج لأن الجميع يتجاهل أدوارهن العظيمة... إن تعليم النساء وتهيئ شروط تنمية قروية شمولية فعلية هما الكفيلان بخلق الظروف الملائمة لحياة أفضل بالنسبة للنساء القرويات ومن خلالهن بقية أفراد الأسرة والمجتمع المحلي، كل الأبحاث تؤكد أنه إذا تحسنت ظروف المرأة تحسنت معها ظروف كل أفراد الأسرة على خلاف الرجل الذي يتجه إلى توسيع المزرعة والماشية قبل التفكير في تحسين شروط عيش من حوله. إذ أن أشكال وأولويات الإنفاق تختلف بين النساء والذكور، فبينما تهتم النساء بتحسين التغذية ونوعية الحياة وشروط العيش بالنسبة للأسرة ككل يهتم الرجال بقضاء حاجات فردية بسيطة، وعليه فان المرأة القروية تستحق أن تحظى بكامل الرعاية والاهتمام كإنسانة اولا، وثم بمنطقتها كمورد أساسي لتغذية الجميع، لأنه بتنمية العالم القروي ينمو اقتصاد الدولة وبتحسين وضعية القرويات ينعم البلد كله بأمن وسلام...