على هامش نقاش عمومي مؤخرا بإحدى اللقاءات العلمية بكلية الحقوق بمراكش، جرى حديث عن أدوار الجامعة في توجيه المجتمع الذي يؤمن بالمعرفة والبحث العلمي، كأحد أهم شروط تنمية وتطوير المجتمعات. وكانت الملاحظة الأساسية أن الجامعة بدأت تتحول تدريجيا من منتج لهذه المعرفة، إلى تابع بل ومبارك لما تطرحه الدولة، وتناقش ما هو متخذ من سياسيات عمومية لتزكيه، ولم تعد قادرة على المساهمة في تقويم هذه السياسات، أو إنتاج سياسات بديلة وطرحها للنقاش العمومي، دعما لمسار الإدارة والسلطة والمجتمع، وهذا هو دورها الأصيل. لسنا هنا لمقارنة أدوار السياسي أو الحزبي بالأكاديمي، من باب المفاضلة، أو المقابلة، فكلاهما ضروريان، وكلاهما آلية من الآليات المؤسساتية لقيام الدولة القادرة. ولا أحد منهما بإمكانه إلغاء الآخر في مجتمع سليم، يتطلع لغد أفضل. سياق هذا الكلام، هو محاولة تغول الفاعل الحزبي، ومحاولة احتكاره لكل أشكال العمل العمومي، بدء بتولي زمام الحكومة والإدارة، ومرورا باحتكار التمثيل الداخلي والخارجي للدولة بنسب متفاوتة، وانتهاء بالمشاركة في محطات الإنتقال الاستثنائية التي عرفتها بلادنا. بل وفرض نفسه كمخاطب لابد منه، بالرغم من كونه مستهدفا بهذه المحطات، مثله مثل باقي مكونات المجتمع الأخرى، نذكر هنا على سبيل المثال، منهجية عمل “اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور ” لسنة 2011، وعمل “لجنة إعداد النموذج التنموي المغربي” سنة 2019. إن دستور 2011 أوضح بشكل جلي مهام المؤسسات الدستورية، وحدد بدقة مهمة هذه الأحزاب بصفتها الوظيفية، وحدد لها ما يكفي من أدوار في علاقتها بالمواطنات والمواطنين، وفي تشكيل الحكومة، وأدوار العمل البرلماني، وحدد حقوق الأغلبية والمعارضة على حد سواء.. فهل فعلا تقوم بأدوارها الدستورية تلك، بشكل سليم وفعال؟ وهل يفضي اقتحامها او إقحامها في أدوار أخرى إلى تجاوز دورها المبدئي والأصيل؟ أسئلة وغيرها تتبادر إلى الذهن عند قراءة الواقع السياسي المغربي في ظل الأزمة المعلنة من قبل أعلى سلطة في البلاد، والتي أعلنت فشل النموذج التنموي القائم، وعبرت عن الرغبة في التأسيس لبناء جديد، ونموذج تنموي جديد، ما يستدعي بالضرورة إشراك فاعلين من كل المشارب المجتمعية الأخرى، والقوى الحية الإقتصادية منها والإجتماعية الفاعلة، وخصوصا الأكاديمية. إن المنطق الذي يتيح هذه المشاركة تماما هو منطق المؤسسة، وليس منطق الأفراد، وحينما نقول إشراك البحث العلمي، فالمقصود ليس الباحثين لذواتهم، وإنما مؤسسات البحث العلمي، والجامعة المغربية بصفة عامة، ما من شأنه تفعيل ذلك الدور الذي ظل معطلا، ولعله الدور الأساسي في تلك الحلقة المفقودة مؤسساتيا وداخل عقل وتفكير النخب الإدارية والسياسية ذات التوجه غير المنفتح، وبدون أي سند يذكر، سواء من وجهة نظر القانون أو الواقع. إنها فراغات وبياضات لابد من ملئها كما ينبغي، لتقليص الهوة بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون. د.عبد الفتاح البلعمشي أستاذ باحث في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض/مراكش.
جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة