فجأة أصبح الرجل إماراتيا، مدفوعا ممولا مصنوعا من الإمارات، هذا عند كثير من أبناء الحركة الإسلامية، لايعني إلا شيئا واحدا، أنه شيطان رجيم، رغم أن الرجل يشتغل قبل أن تتحول الإمارات والسعودية لعدو، وهو معروف قبل الصراع القطريالإماراتي. شخصيا لم أقرأ لهذا الرجل حرفا واحدا، لكن رأيت له مقاطع كثيرة على اليوتوب، منذ سنوات، سمعت عنه كثيرا، ولي أصدقاء متأثرين به، منذ خمسة عشر سنة. الرجل لايكاد يبين، يصارع بشق الأنفس شدقيه ولسانه وشفتيه، ويقاومهما لكي يستقيم له النطق، فكيف له أن يصارع شيئا آخر ويقاومه ويقومه ويقيمه. حين أشاهد رجلا يتحدث، ولايكاد يؤلف جملة واضحة المعالم سليمة النطق، يصعب علي تصديق، أنه بإمكانه أن يؤلف كتابا؟ صحيح أن هناك من أوتي جدلا وخطابة وفصاحة وجرأة في الارتجال، لكنه لايخط حرفا، والعكس أيضا هناك من رزق قلما سيالا وإسهالا في الكتابة، لكنه لايستطيع ارتجال جملة. لكن بالرغم من ذلك فأنا أجد صعوبة بالغة في الانجذاب بله التأثر، بمن لايحسن النطق، وبمن يرتكب في العربية المجازر والمذابح، نحوا وإملاء وإعرابا وبلاغة وتركيبا وتصريفا… إنه يبني حاجزا بيني وبينه، حتى لو أتى بما لم يأت به الأوائل. لكن مقابل هؤلاء الذين رفعوا الرجل لمقام العباقرة المجددين، والشهداء الصالحين، والمفكرين غير المسبوقين، والآلهة والقديسين، كانت هناك فئة تهوي به في الدرك الأسفل من النار، وتحكم عليه عينا بالردة والمروق والخلود في النار. في اليوم الذي مات فيه شحرور، نشر في مواقع التواصل كم هائل من الكراهية والحقد والتكفير واللعن والسب، مايعادل مانشر في هذه المواقع منذ خرجت للوجود، وهذه عينة تعكس حجم الكارثة التي نعيشها: الحمد لله مات شحرور وبقي الإسلام مات شحرور وانتصرت السنة مستراح منه، لا رحم الله فيه مغرز إبرة إلى جهنم وبئس المصير اللهم أسكنه فسيح نيرانك مات كافرا لقد نفق الحمد لله الذي أماته فأقبره اللهم كما انتقمت من شحرور فانتقم من أمثاله هلك شحرور الخبيث فلارده الله كلب ماسوني إن شاء الله يكون بداية لأمثاله عدنان إبراهيم.. مات من تكلم في دين الله بسوء، وبقي دين رب العالمين هلك الزنديق ارتحنا من واحد منهم ابن العالمة من يزعم ذا عالم، وابن باظر من لم يستيقن أن ذا كافر. كم هائل من التدوينات والتعليقات المريضة، التي تعكس مرض أصحابها، والتي تعبر عن انفعالات انتقامية صبيانية فقط، انخرط فيها رموز وشيوخ ودعاة أيضا، وليس فقط المريدون والأتباع، الناعقون وراء كل ناعق. ففي الوقت الذي من المفروض على القدوة والداعية، أن يناقش مخالفه ويبين أخطاءه، ويفكك خطابه، ويضع أصبعه على موطن الداء، بأسلوب علمي، وأدب راق، في الرد والنقاش، بعيدا عن الشخصنة والسب واللعن والتحريض، لجأ هؤلاء لأسلوب التهييج والتحريض، بكتابة تدوينات قصيرة، تعبر عن قلة اطلاعهم وضعف حجتهم، تقتصر على التشفي أو التحريض، سعيا لجلب مزيد من الأتباع المغرر بهم، المنبهرين بمن يكفر أكثر، ومن يوزع بطاقات دخول الجنة والنار، وكلما كان الداعية جريئا في التكفير، زاد رصيده عند الأتباع الأميين، وتحلقوا حوله مصفقين، والواحد منهم لايحسن كتابة اسمه. بعض ما تمت مؤاخذة شحرور بسببه، وجدته في مقاطع يتبرأ منه، براءة صريحة واضحة لالبس فيها، لكن الغريب أن هؤلاء المحرضين، غالبا لم يقرؤا له كتابا، ولم يشاهدوا له مقطعا، والغالب أنهم اعتمدوا على كلمات مجتزأة، وبطاقات مصورة مضحكة، تجمع كلام الرجل مبتورا عن سياقه، أو مدلسا مزورا، وهؤلاء بارعون في هذه المنهجية وهذا الأسلوب، الذي هو إصدار أحكام على أشخاص انطلاقا من بطاقات مصنوعة بالفوتوشوب تجمع جملا من هنا وهناك، تلخص لك فكر رجل أو مشروعه أو معتقداته، وأحيانا يكون الأتباع هم صانعوها، ومسعروا حربها، يعمدون لكلام مبتور، فيلقونه بين يدي شيخهم، الذي يصبح غالبا لعبة بين يدي الأتباع، ينفذ مابه يرغبون، فيستحثونه على إصدار حكمه المقدس، ثم يطيرون به فرحين مستبشرين بهذا النصر المؤزر، وهم في الحقيقة يرضون أنفسا مريضة وشخصيات مهزوزة، نخرها الجهل والفاقة والحاجة والاستبداد السياسي والوضع الكارثي للأمة… عوامل أنتجت لنا كائنات مشوهة تريد الانتقام من أي كان وبأي وسيلة، حتى لوكان بالتكفير، ليشعر الشخص المهزوز، بسلام داخلي وراحة نفسية كبيرة، ونشوة كنشوة المتعاطي للمخدرات، أن فلانا لن يدخل الجنة ولن يزاحمه فيها، ولن يشم ريحها، فينام قرير العين مرتاح البال، أن نصرا صغيرا، على الأقل تحقق له أخيرا، وسط انهزامات وانكسارات وفشل متكرر. بعيدا عن تبرو شحرور مما ينسب إليه، ولنفترض أنه لم يتبرأ من أي شيء من ذلك، فهل الرد عليه، يكون بالشماتة في موته، والحكم عليه بالنار عينا؟ هل هذا مايسهر هؤلاء القدوات المربون، على تربية الشباب عليه؟ تربيتهم على الحكم بالظن على معتقدات المخالفين، والحكم باليقين على مصيرهم الأخروي، والفرح والرقص طربا بموتهم؟ ورغم أن هؤلاء القوم، يرفعون شعارات ويافطات، من قبيل أنهم لايكفرون المعين، ولايحكمون لأحد بجنة أو بنار… لكن كل ذلك يتبخر في أول امتحان، يصبح هؤلاء بارعين في الحكم مكان الله، يقسمون جهد أيمانهم أن هؤلاء لمخلدون في النار، ضاربين عرض الحائط بآيات وأحاديث، كان على شيوخهم أن يربوهم عليها، ليتعلموا الأدب والرحمة، قبل الجلوس على كرسي القضاء، وتوزيع بطاقات الجنة والنار، وصكوك الرحمة والغفران، على الخلق. نصوص من قبيل: أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار قال عذابي أصيب به من أشاء ومن السنة قصة وقوف النبي لجنازة يهودي، أشهر مايمكن إيراده في هذا الموضوع. وعوض جعل مثل هذه النصوص نبراسا ومنهجا وخارطة طريق، تجد بعضهم يعلق: الحمد لله لقد انتقم الله من شحرور، وآخر يضيف مات شحرور وبقي الإسلام. لا أدري كيف انتقم الله منه وهو قد مات ميتة طبيعية، ومئات الآلاف يموتون يوميا؟ فهل الموت انتقام من الله؟ أم ماذا؟ وهل المسلمون وأهل السنة والإسلاميون والسلفيون والقطريون لايموتون أم ماذا؟ ومامعنى مات شحرور وبقي الإسلام، أو مات شحرور وبقيت السنة؟ ماذا يعني هذا؟ وماقيمته في مجال صراع الأفكار، وفي ميزان الحوار والنقاش العلمي؟ وهل موت شخص هو انتصار لفكرة خصمه مثلا؟ لقد مات النبي محمد وبقيت المسيحية اليهودية بل وعبادة الأوثان ومات ابن تيمية وبقي التشيع ومات ابن عبد الوهاب وبقي التصوف ومات ماركس ولينين وبقيت الرأسمالية ومات بلادن والبغدادي وبقيت أمريكا ومات أحمد ياسين وبقيت إسرائيل ومات عبد السلام ياسين والسرفاتي وبنبركة وبقيت الملكية ومات مرسي وبقي السيسي الكل يموت الصالح والطالح، والأفكار تبقى صالحة كانت أوطالحة، وهي لاتموت بموت أحد، إنما يحملها الأحياء ليكملوا بها مسيرتهم وتدافعهم مع المخالفين لهم. هذا المنطق الطفولي، ليس غريبا أن يصدر من أتباع ومريدين محدودي العلم والفهم والثقافة والمعرفة، بل المشكلة أن شيوخهم يشجعونهم عليه، يتفاعلون مع تدوينات كهذه إعجابا وتعليقا، معتقدين أن في ذلك نصرة للحق، وما هو إلا تعبير عن الإفلاس القيمي والمعرفي والأخلاقي والتربوي، وفتح للباب على مصراعيه أمام الجهل والتفاهة والجرأة الوقحة. أين المشكل في أن توجه تابعك ومريدك وتلميذك، لما يفيده وينفعه، وينمي معارفه ويطور مداركه ويحسن أسلوبه في الرد والنقد والنقاش والبناء؟ عوض تشجيعه على مايزري به ويحط من قيمته، ويبقيه في أسفل سافلين سخرية لكل المخالفين. أنا لا أقصد أحدا بعينه، فقد تابعت التعليقات وردود الأفعال، فوجدت غالب أتباع الحركات الإسلامية دون استثناء على هذا النمط، مع تفاوت طبعا، يؤطره منهج كل تيار. السلفيون كانوا على رأس هذه التعليقات المنفعلة، أما أتباع حركة التوحيد والإصلاح فقد كانت مواقفهم غالبا على النقيض من مواقف السلفيين، حافظوا إلى حد ما على حياد وموضوعية، أبناء العدل والإحسان، انقسموا بين مواقف السلفيين المنفعلة والمنفلتة، وبين مواقف الحركيين المحايدة إلى حد ما، لدرجة أن تعليقات بعض أبناء الجماعة يمكن أن تعتبرها سلفية، وكانت هناك أيضا تعليقات بعض الدعاة المستقلين تنظيميا، القريبين فكريا من هذا التيار أو ذاك. طبعا لا أتحدث عن المواقف التي تنتقد الرجل وتعبر عن اختلاف جذري معه، هذا مطلوب وهو من حق كل أحد، بل أتحدث عن التدوينات المنفعلة التي فيها تكفير وشماتة وسب وحكم بالخلود في جهنم، وتحريض وتجييش على ذلك. لكن كل هذا الذي ذكرناه، يهون ويمكن تقبله، حين يكون المنتقد أو حتى المحرض، مستقلا منطلقا من قناعات شخصية، لكن حين يتم توظيفه في أجندات، فيخدمها بوعي أو بدونه، فهنا تكون الطامة مضاعفة، والمصيبة عظيمة، الكارثة وشيكة. بينما أتابع التعليقات المشيدة بالرجل لدرجة تصويره على أنه مجدد زمانه، وقديس أتباعه، أو تصويره على أنه شيطان رجيم مخلد في النار، بدأت تطالعني تعليقات بعض المقربين من سياسات قطر أو والإمارات، ومن عرابي سياسة الدولتين، والمطبلين لهما، لدرجة دخول قناة الجزيرة على الخط، والحديث عن شحرور، على أنه يروج لإسلام إماراتي، وتدوينة للمفكر الإسلامي الشنقيطي، لأفهم أن هناك خيوطا تدار من وراء الستار، لتصفية الحسابات السياسية، يلعب فيها الدين دوره المعتاد الذي يؤجج الأتباع المتحمسون ناره ويسعرونها، معتقدين أنهم ينصرون عقيدتهم، وهم في الحقيقة ينصرون مشروع هذه الدولة أو تلك، والمصالح الاستراتيجية لهذا النظام أو ذاك. وهناك المسترزقون الذين يريدون رضى قطر، وأيضا المسترزقون الذين يريدون أخذ مكان الرجل في الإمارات، بتقديم أنفسهم من محبيه أو تلامذته أو مريديه أو حتى بدائل عنه. لذلك بعيدا عن شيطنة شحرور أو تأليهه، على الإنسان أن يتريث، ويتحلى بالأدب الرفيع في النقاش، ولا ينساق وراء دعوات التلميع والتطبيل، ولا دعوات الشيطنة والشماتة، فلكل دولة شحاريرها. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة