أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    الأزمي يتهم زميله في المعارضة لشكر بمحاولة دخول الحكومة "على ظهر العدالة والتنمية"        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    بيت الشعر في المغرب والمقهى الثقافي لسينما النهضة    الزمامرة والوداد للانفراد بالمركز الثاني و"الكوديم" أمام الفتح للابتعاد عن المراكز الأخيرة    اعتقال بزناز قام بدهس أربعة أشخاص    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية        بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي في رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول التجريم والعقاب .
نشر في العمق المغربي يوم 23 - 11 - 2019

قبل ان ابدأ بقراءة مذكرة المجلس الوطني لحقوق الانسان ،اطلعت على منهجية المذكرة فيما يخص العناوين الكبرى التي تحتويها ،فهو عمل من الناحية المنهجية يتسم بالضبط المفاهيمي ،على اعتبار ان ورش السياسة الجنائية اصبح مناط اشتغال الفاعل السياسي والمدني .
لكن ما يعاب على المجلس انه عرض رأيا لا أرى انه رأي المجلس بتعدد أفكاره ومرجعياته ،بل مرجعية من خط هاته المذكرة التي تعبر عن رأي المجلس قبل التعديل، وهذا في حد ذاته ضرب من الشرعية في مؤسسة يجب ان تفتح الحوار والرأي وتتشارك فيما بينها باعتبار ان هذه الإحالة الذاتية رأي اسشتاري يؤخد به في المؤسسة التشريعية ،ولذلك حري ان تساهم كل الآراء ويتم تجميعها في رأي مشترك يعبر عن رأي المجلس بتركيته الجديدة.
بعد ملاءمة هاته المؤسسة مع ا لدستور ،وبعد تجديد الهيئة لهياكلها التي كانت تتسم بنوع من الانتقائية ،خصوصا في ما يخص هيكلة المجال الترابي ،فان عمل هذه المؤسسة التي اريد لها ان تكون مسار الحداثة والدفاع عن الحقوق الأساسية لكن بنوع من الرسمية البعيدة عن لغة الخشب .
رأي المجلس بين سؤال الشرعية والمشروعية
نمر الى دراسة رأي المجلس دراسة نتفاعل فيما طرحه من أفكار ومقدمات لنتائج نعرفها في مطاراحته الفكرية التي تعبر عن رأيه في المشروع القانون المتعلق بتعديل مدونة القانون الجنائي الذي عرف العديد من التجاذبات خصوصا مع مشروع الذي قدمه الرميد في فترة وزارته للعدل والحريات ،وما واكبها من حملة مضادة من طرف من ظن ان مسار التعديل سيعرف منعطفا جديدا ،خصوصا وان شخصية الرميد تتسم بنوع من المحافظة .وهنا يبرز اشكال الثابت والمتحول في السياسية الجنائية بالمغرب ،خصوصا بعدما أصبحت هناك مؤسسات وأجهزة مستقلة عن السلطات الحكومية ومهمتها انفاذ القانون وتطبيق هاته السياسات الجنائية التي تضعها الدولة .ومسارات القانون الجنائي بالمغرب فيما يخص التحيين والتعديل رغم ان المجلس وسمها بأنها جزئية وناتجة عن ظروف داخلية ودولية ملحة ،لكن الواقع اكثر من ذلك فالنص الجنائي بالمغرب ينمو بنمو فكر وواقع المغرب على مستوى الممارسة الجنائية المرتبطة بتبنيه لخيارات الانفتاح والتحول الى الديمقراطية وكذا ملاءمته مع الاتفاقيات التي وقع عليها المغرب دوليا.و مع دستور ،2011 تنامت الحاجة الى مراجعة عامة للقانون الجنائي ،حيث ان التجربة والممارسة أعطت قناعة للتعديل من طرف الممارسين وتفاعلا مع تنامي المطالب الداعية الى الحماية للحريات وتحصينها.
وفي نظر المجلس حينما يحاسب النص الجنائي ويسعى لتعديله ظانا ان الاشكال في النص وليس في تنزيله، كما ذهب في مسالة تعديل المادة 206 من ق.ج مطالبا بضرورة تضييق نطاقه، رغم ان التضييق والتوسيع للنطاق المرتبط بالنص هو من اختصاص السلطة القضائية وليس من اختصاص السلطة التشريعية التي احالت هذا النص على المجلس الوطني لحقوق الانسان.
كما انه أي المجلس طالب بإضافة مقتضى خاص بالعنف في الفضاء العمومي وكأني المس فيه تجاهلا لنص خاص بالعنف يمكن ان يكون مدخلا لتصحيح المسار ،لكن المذكرة بأكملها لم تشر الى هذا النص لا من قريب ولا من بعيد ،وطالبت بإعادة تعريف العنف على مستوى الآثار، لأتساءل معها هل تهميش نص 103.13المتعلق بالعنف ضد النساء سلوك يؤسس لسطحية الترافع المؤسساتي على مسار السياسة الجنائية بالمغرب ،على اعتبار ان هذا النص مؤشر وتحول في المقاربة الجنائية والذي لأول مرة في تاريخ التشريع المغربي الجنائي يعطي لنا صورة واضحة حول العنف بصوره المتعددة ،وحينما اتحدث عن الصورة فانا هنا اجسد الأثر المادي والمعنوي لظاهرة العنف المرتكب في الفضاء العمومي والخاص من طرف الفئات الأقل قوة ودفاعا على نفسها .ولذلك فما جدوى مقتضى يعيد انتاج نقاش لا أقول حسم فيه لصالح مسار موجه أو غير موجه ،ولكنه مسار اذا ما اعدنا فتحه اصبح للنقاش دون جدوى مع تنامي الظاهرة في المجتمع وعدم قدرتنا على مواجهتها المواجهة الشاملة سواء بالنص الزجري او بمنظومة القيم التكافلية التي انتجه هذا النص الجنائي الجديد في حمولته القيمية والتضامنية .
هوية رأي المجلس المزدوجة
ينطلق المجلس الوطني لحقوق الانسان من زاوية المقاربة الحقوقية واعتبار معيارا للتقييم وسنده في ذلك انه مؤسسة أسندت لها الية الرصد والتقييم للسياسات الحقوقية بالمغرب، لكن هذا الاسناد إذا لم يكن محل توافق او اجماع داخل المجلس بعينه يصبح كلامه ورأيه تكنوقراطيا بنفس حقوقي لكن دون أثر على المشهد الحقوقي، ولذلك كان لزاما على الهيئة الحقوقية الوطنية ان تضع لنا سياق اخراج هاته المذكرة وما متلثه من وضع حقوقي شبيه بوضع المتلعثم في الكلام، والذي يحتاج الى جرأة واضحة تعطي مسار الحقوق بالمغرب تجليات واسعة، بإشارات واضحة لتحصين المكتسبات الدستورية في المجال ،كما جاء في مذكرته التي اقر على ضرورة اتسامه بالوضوح والموضوعية ،لكن سأقيم الموضوعية في طرحه من جوانب مختلفة واهمها :الجانب المتعلق برؤيته للتجريم والعقاب في المنظومة الجنائية .
ولفهم الازدواجية تتبعت مقاربته للمواضيع التي يراها في حاجة الى التعديل وخاصة ما يتعلق بالتجريم من ناحية والعقوبة من ناحية أخرى، حيث حصر فيما يخص التجريم: جريمة التعذيب وجريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وكذا جريمة الاختفاء القسري، وجريمة الإجهاض وجريمة انتهاك الآداب وجريمة مكافحة الاجرام المنظم وجريمة تهريب المهاجرين.
الارتكاز على سند الشرعية في التعديل والاحالة الصريحة على المرجعية الدولية قد يساهم في تجويد النص الجنائي لكن بمحصلة تبقى غير منتجة. وعليه فانه في مطلب تعديل مقتضى التجريم للتعذيب نرى ان المذكرة ارتكزت على المادة 1 من معاهدة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ورغم ان التعريف لا يتسع نطاقه الى الامتناع عن الفعل باعتباره فعل قد ينتج عنه اثر يدخل ضمن دائرة المجرم قانونا والمعتبر تعذيبا بنص المادة وكذا الاتفاقية .فالمشرع الجنائي في عدم قدرته أو تركه لمجال التعريف في القاعدة الجنائية لا يعني بالضرورة ما ذهب اليه المجلس بل قد يحسب له ان عدم الحصر للدلالة ان التفسير القضائي والممارسة القضائية هي الدليل العملي للإجابة على هذه الإشكالات القانونية .وفيما يتعلق بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب فالمجلس يعتبر ان المشروع المقدم للبرلمان جرم هذا الفعل وهو مكسب جدي داعيا الى ضرورة النقل الشكلي والمضمون لكي تكون لها مقتضى عام يشملها جميعها والا تتعرض للتقادم ،وعن سؤال الشرعية الدولية في التحيين للقاعدة الجنائية يدور الاشكال المرتبط بدلالة الالزام والتنزيل ،أي ان المجلس يعتمد على مطلبه انطلاقا من مرجعية نحن غير مختلفين في تنزيلها ،لكن إشكالية التفسير للاتفاقيات الدولية يبقى سلطة تمارس من الهيئات التي منح لها دستوريا قرارا المشاركة في اتخاد وصياغة النص القانوني الذي ما هو الا إرادة للمشرع تحسم في قبة البرلمان . وكان الاسلم ان يستعين في مطلبه هذا برأي الفقه الجنائي الذي هو مناط ثراء لاعتبارات تراعى فيه قدرة المؤسسات الموجهة للفعل العمومي على صياغة نص حمائي للحقوق لكن بمقومات قوية ومتينة.
وفيما يخص الاختفاء القسري ينطلق من مطلب الاستباقية في اعمال بمقتضيات معاهدة الاختفاء القسري للمكانة الاعتبارية الدولية للمغرب في هيئتها ،وقد نتفاعل مع مطلب المجلس في نظرته لهذا الموضوع المؤرق ،حيث قدم ست ملاحظات جوهرية مؤسسة على الإحالة المرجعية للاتفاقية ،واهمية التنصيص الصريح عليها تقدما بالنص الجنائي لكي يضمن القوة الحمائية للضحايا ،فمن التعريف الذي تفاعل معه إيجابيا الى التجريم لهذا الفعل واعتباره من دائرة الجرائم الإنسانية وهذا امر تفاعل معه المجلس بصيغة إيجابية ،كما ان الملاحظة الثالثة المرتبطة بسؤال التجريم لفعل الخواص في هاته الجريمة ،لما فيه من تعارض مع مضمون المادة 3 من المعاهدة المذكورة سالفا، وفي ملاحظة رابعة تطرق الى شمول مرتكب فعل التعذيب والاعتداء الجنسي على تخفيض العقوبة، وفيما يخص الملاحظة الخامسة تطرق الى ضرورة التنصيص على مسؤولية الرئيس على فعل الاختفاء القسري، بما هو مشروط في نص المادة 6 من المعاهدة، وفي الملاحظة السادسة وتنزيلا للمادة 3.3 من المعاهدة فيما يخص مسؤولية المرؤوس في الأوامر الصادرة له من رئيسه لارتكاب فعل الاختفاء القسري.
وفيما يخص جريمة الإجهاض التي اعتبر انها مازالت محدودة ولا تتلاءم والتحولات المجتمعية والعلاقات الجنسية ،ليخلص في الأخير ان ما توصل اليه ضرورة بناء نص قانوني متعلق بالإجهاض مرتبط على صحة المرأة الحامل ،وتحديدا على مفهوم الصحة العالمي ،كما ان اهتمام لجنة حقوق الانسان ولجنة حقوق الطفل اللتان أعطت لهما قيمة ورعاية مع التأكيد على اخراج النص من المقاربة الجنائية الى مقاربة شمولية اعمق مرتبطة بالفرد الذي تراعى وضعيته الصحية في الاعتبار ،وقد سجل المجلس في المشروع مؤشرات إيجابية وأخرى سلبية .وهنا بدأت ازدواجية المجلس وتناقضه بين التجريم للممارسة الاعتيادية لفعل الإجهاض بين الضحية ومرتكب الفعل –الإجهاض-وهنا نتساءل مع المجلس ماهي حدود الفعل المجرم في جريمة الإجهاض في المغرب ؟،وخاصة انه يطالب بتغيير تشريعي لهذا الفعل من الإجهاض الى الإيقاف الطبي للحمل أو بلغة أخرى الإعدام الرحيم للجنين أو الحمل .
وتفاعل المجلس مع المقتضيات الجديدة التي وردت في نص المشروع خاصة ما يتعلق بمراعاة كرامة المرأة لعدم مطالبة موافقة الزوج على الإجهاض ،ورغم ان الميزان انقلب رأسا على عقب فان بمنظور النوع الاجتماعي والذي في قوته الحقوقية المتجلية في احترام حق الحياة للفئات سواء كانوا أطفالا اجنة مازالت حقوقهم القانونية واضحة ،فكيف نعطي الحق للزوجة في وقف حملها بسبب خبرة طبية قد تكون فيها من الأخطاء ما فيها ،ولذلك ففي هاته الحالة كان الاسلم مراعاة لحق الطفل وحق الاسرة وحق الزوج ان يتم تقديم خبرة طبية قضائية في الموضوع ،والا فان هذه المادة ستصبح بابا لتحكم مفصلي في حياة الاف من الضحايا الذي بمبررات ما يصبحوا في دائرة الإعدام الرحيم ،فمثلا اذا نصت خبرة طبية على انه يتعين ترك الحمل مخافة تضرر صحة الام وتعريضها للخطر ،فهل المشرع في هاته الحالة يضمن حق الحياة للمرأة دون الغير سواء كان طفلا جنينا أو حملا غير متكمل بعد ولذلك بإعمال اتفاقية حقوق الطفل فان الإجهاض يجب ان يراعى فيه امر القاضي في التعيين للخبير وكذا إمكانية من له المصلحة في ذلك اجراء خبرة طبية مضادة على فعل الإجهاض حفاظا على الحقوق الفئوية .
كما ان الحالة –ب-المتعلقة بالحامل المختل عقليا حسب الفصل 453/3فان مفهوم الاختلال اصبح متجاوزا وكان الاحرى ان نتحدث بلغة نقارب فيها ما انتجته تشريعاتنا واتفاقياتنا الدولية في موضوع الإعاقة والذي يحتاج الى وقفة مسؤولة نضع فيها العواطف في جهة ونترك سجالات القوى التي تتغنى بالحقوق وتنسى ان سؤال الإعاقة بالمغرب هو سؤال حقوقي بامتياز ،فكيف بالفقه الإسلامي الذي اباح زواج المختل عقليا –وبلغة قانون الاطار الشخص في وضعية إعاقة ذهنية -بضوابط ومحددات واضحة أن نأتي ونضع مقتضى زجرية بانتفاء المسؤولية على أفعال من ارتكب فعلا اباح له القانون فعله .كما ان مسالة ثبوت أو عدم تبوث إصابة الجنين بأمراض تنفي المسؤولية وكأني بذاك افتح باب الإجهاض بخبرة طبية تتبث ان الجنين قد يكون في وضع غير سوي ،وهنا نتساءل أين نضع حق الحياة باعتباره أسمى الحقوق مع اشكال صحي او عائق صحي ما ،حينها كان لزاما على المجلس الذي يتوفر الآن على آلية رصد لحقوق الطفل ان يقوم بحصر الولادات التي تبتث بناءا على تقارير سريرية صحية ان أجنتها يمكن ان تكون غير سوية ،ولذلك نطمح من المجلس ان يتجه في اخراج دراسات ميدانية في موضوع هام يهم صحة وحياة المغاربة ،ويزيد المجلس في مطالبته بضرورة منح المرأة الحامل حق وضع حد لحملها حتى عندما يكون في استمراره تهديدا لصحتها النفسية. وهنا يبرز ازدواجية المواقف عند المجلس حينما طالب بإعطاء فرصة القضاء للتأكد من سلامة الوضع الذي سوف يلجأ فيه الى الإجهاض، خصوصا في حياة المرأة المختلة عقليا، وعارض تدخل القضاء-النيابة العامة –في اشرافها على عدم ادراج شرط تقديم شهادة رفع دعوى قضائية يسلمها الوكيل العام للملك بعد تأكده من جدية الشكاية واعتبر تدخل النيابة العامة يشكل حالة من الفزع للنساء اللاواتي يرغبن في الإجهاض مما سيسوغ لهم اللجوء الى الإجهاض السري ،وهنا يقع المجلس في حالة من اللامؤسسة حينما يريد ان يغيب جهازا نفاذ القانون ويتنحى على دوره المؤسساتي لإكمال الصورة التي يريد المجلس إخراجها وهي الإجهاض العلني بمقومات تؤسس لقانونية الفعل وجرم معارضته ،حينها نتساءل مع المجلس عن أي مسار اجتماعي أخلاقي يمكن ان نناقش فيه تحولات القيم المجتمعية وعلاقة الضحية بالمعتدي في منظومة مازال العنف الممارس فيها في غرفة مغلقة شديدة الاحكام، فاذا كان من الاسلم ان نوقف عمل النيابة العامة لترك المجال لفعل ما فبالأحرى ان نوقف عملها بصفة دائمة وحينها نأتي وننظر اين وصل حال الاجرام والتعدي على الحقوق والحريات .
لنصل الى مجال الحريات الخاصة والمرتبط بالأساس بانتهاك الآداب وهذا الفصل في حد ذاته يرى المجلس ان لم يتعرض الى أي تعديل فيما يخص هذا المقتضى ويرى ان تقسيم قائمة الجرائم التي وردت في الكتاب الثالث من مدونة القانون الجنائي الى :الجرائم التي تمس بالسير العادي أو الصحيح للمؤسسات الدستورية وشق ثان يتعلق بالجرائم التي تمس الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وهذا التقسيم يمكن التفاعل معه بشكل إيجابي ،لكن إعادة النظر في تجريم العلاقات بين الرشداء بما يراعى التحولات المجتمعية الهامة التي تعرفها بلادنا ومستلزمات حماية الأشخاص وصون كرامتهم وضمان الانسجام القيمي واللحمة المجتمعية .وهنا يبرز التناقض وغلبة الذاتية في رأي المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي اشكك في أن يكون رأي جميع مكونات المجلس بل هو رأي من صاغ المذكرة ووقع عليها ،لكي أقول بأن سؤال اللحمة الاجتماعية ينهار بمجرد علاقة راشد-متزوج مثلا-براشدة متزوجة مثلا ،فانتفاء التجريم سيجعل كلا الزوجين يمارسان علاقات جنسية متعددة بطريقة اريحية في فضاءات مفتوحة او مغلقة ،وما ينتج عنها من حمل وصراع اجتماعي وكثرة الانساب واختلاطها ،هذا دون ان نتحدث عن الأثر النفسي والوجداني للمرأة ضحية علاقة راشدة بين زوجها وامرأه أخرى ،انا هنا اغوص كما غاص المجلس الوطني لحقوق الانسان لكي افهم حقيقة التحول الذي سينتج عن انتفاء المسؤولية الجنائية في الامر ،حينها فقط يسهل علينا ان نتحدث بلغة الحارس على اللحمة المجتمعية التي ينظر لها المجلس الوطني لحقوق الانسان ،تلك اللحمة التي ستتفرق على جميع من ناضل على حرية الجسد في مجتمع مغلق وغير مفتوح. فما يعرفه المغرب من تحولات راجعة بالأساس الى لغة القيم المجتمعية التي تأسست على كرامة الانسان وحفظ حريته وعقله ونسبه ومجتمعه من كل ما من شانه ان يجعله قاب قوسين او أدنى من ان نفهم سياقات التحول المؤسساتي لمغرب ما بعد الحداثة السائلة التي أضحت عنوان المرحلة في مؤسسات تفتقد للموضوعية وتنضح من معين الخروج عن المألوف والطبيعي.
وفيما يخص الجرائم المتعلقة بالعبادات فرأي المجلس انطلق من التذكير بدستور المملكة الذي ينص على الحرية للمواطن أو الحرية المواطنة التي تتأسس على الانتماء وتتأسس على احترام الأقليات والطوائف والجماعات في معتقداتهم وافكارهم بكل تلاوينها وهذا امر لا نقاش فيه وهو يدخل ضمن دائرة المرغوب به ،كما أن العهد الدولي في المادة 18 الذي يؤكد على حرية المعتقد تجعل الحماية القانونية امرا ضروريا ،ويزيد في تعليقه وتأسيسه لهذا المقتضى من حيث اعتبار ان لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة في تفسيرها لهذا الحق في نطاق واسع ليشمل الديانات السماوية وغيرها من الديانات وحق تغيير المعتقد والحق في عدم الايمان أصلا .ليصل في الأخير الى مطلب الحماية من الاجبار على اعتناق ديانة معينة ،والواقع ان هذا المطلب قد يفرض نفسه اذا ما اصبح هناك تعدد في الأديان بالمغرب ،في حين ان الحديث عن التدين هو حديث يحتاج الى لغة الأرقام وليس لغة الإشارات الباطنية البعيدة عن المعقول ومصرفة في الديماغوجية التي تؤسس لواقع مغاير لما نعيشه ،والتنصيص على هذا المقتضى او عدم التنصيص عليه لافرق خصوصا وان الطوائف التي تعيش في المغرب لم تسجل أي تشكي بخصوص منعها من ممارسة طقوسها الخاصة ،ولذلك أرى ان هذا المطلب غير جدير بالاثارة في هاته المادة لاعتبارات دالة حول قدسية الإرادة والحرية في الراي والانتماء لمن يرغب في ذلك ،وحتى الذين يتحدثون على التدين فهنا اقف وقفة تأمل على ان المغاربة على طول التاريخ ومنذ اعتناقهم للدين الإسلامي كانوا في حرية تامة في التعبير عن آرائهم الفكرية والعقدية دون تدخل جهة من الجهات ،ولذلك عاش المغاربة اليهود في حرية تامة وفي احترام لخصوصياتهم ،كما ان المسيحيين الذين كانوا اغلبيتهم ليسوا مغاربة فقد ضمنت لهم الدولة حرية العبادة والانتماء دون تدخل فيهم على اعتبار ان الذي كان يؤطر العمل في هذا المجال هو الشرع والفقه الإسلامي في تلك الفترة.
وفيما يخص حذف الفصل 222 الذي يتعلق بالإفطار فان التنصيص على حرية الإفطار سواء كانت سرية او جهرية ،فيه نوع من اثارة الانتباه الرمزي وللسؤال فقط كم يشكل هؤلاء الذين يجاهرون بالإفطار او حتى الذي يتكتمون على ذلك بالمغرب ،بلغة رقمية نرى انهم لا يشكلون شيئا ،ولذلك بلغة الحسم والديمقراطية التي تعني ان القاعدة الجنائية هي قاعدة قانونية تؤسس للضبط والتنظيم والحماية سواء للمعتقد أو غير المعتقد ،وحذف هذه المادة بعينها من شأنه ان يجعل كل من سولت له نفسه اما لعصبية او مزاج أو عربدة ان يخرج في ذلك الوقت الذي يتسم بنوع من الخصوصية والاحترام والقدسية ويثير بسلوكاته نفسية المارة ،لذلك بميزان الكرامة والحرية فان منع المجاهرة والمطالبة بالجهر بالإفطار في بنية اجتماعية خاصة يدعو الى الريبة ،والمجلس الوطني لحقوق الانسان لا وصاية له على ضمان النظام العام ،كما ان موقفه هذا يخالف واجب التحفظ ويجعله ينتصر لفئة لا تمثل الا قلة الأقليات أو لا تكاد تذكر الا بذكر هذا الامر سواء في مذكرات تتسم بنوع من الريبة .
العقوبات البديلة غاية أم وسيلة
المشروع المقدم للنص الجنائي يتحدث عن استبدال العقوبات الحبسية بعقوبات غير حبسية أو بديلة، بمعنى آخر ان فلسفة تنزيل هذا البديل هو مقتصر فقط على العقوبات الحبسية القصيرة والسبب في ذلك هو ان سلوك هذا المنهج غايته تقليص السجناء، كما ان السجن أو الحبس يصبح غير ذي جدوى، خصوصا إذا كانت العقوبة اقل وما ينتج عنها من ضرر أعمق من العقوبة المرتكبة، والمشرع هنا حصرها في العقوبات السالبة الحرية والتي لا تتعدى سنتين وحصرها في ثلاث أصناف وهي:
العمل من أجل المنفعة العامة، الغرامة اليومية، تقييد بعض الحقوق 2/35
وكما انه حصر مجموعة من الأفعال التي لا يمكن ان يلجأ فيها الى العقوبات البديلة وهي: الاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ والاثراء غير المشروع –الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، والاتجار في الأعضاء البشرية، وتهريب المهاجرين والاستغلال الجنسي للقاصرين
قبل ان اناقش واعلق على رأي المجلس في هاته النقطة التي لم يفصل فيها، فاني ارجع لتاريخ العقوبات الإنسانية وخصوصا ما امر به الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليم الاسرى للمسلمين مقابل سراحهم، وهذا الفعل في حد ذاته يدل ان العقوبة ليست غاية الغايات بقدر ما ان تقويم الانسان واصلاحه هو أساس كل النظم الكونية سواء كانت قانونية في شكل مقتضيات ضابطة تقوم اعوجاج وزيغ الانسان وجوره، او في اشكال متعددة من البرامج والسياسات العامة الاجتماعية.
جاء المجلس بمقترحين يضمان ادراج المراقبة الالكترونية التي أثيرت في مخرجات الحوار الوطني لإصلاح العدالة وتم التنصيص عليها الا انها يمكن ان تستعمل خصوصا كتدبير وقائي للمرأة المعنفة من طرف زوجها .
الإعدام والاجهاض وحق الحياة
أحيي بدوري ترافع المجلس على الغاء عقوبة الإعدام لأنها عقوبة ماضوية وضد الإنسانية وضد الحق في الحياة، لكن بمقياس ما نناضل ضد ان تمس الحياة سواء كانت في الاجنة أو خارجها فإننا مستغربين بميزان متفاوت التشجيع على الإعدام الرحيم تحت أي مسبب او عائق لأجنة ذنبهم انهم نتيجة سفاح او اعتداء او جرم، والحال ان الحياة هي ملك للجميع وهي حق عام للدولة دستوريا تكفله بقوانينها وسلطتها ،ولذلك انا ضد الإعدام لأنه ليس عقوبة بل هو نهاية للحياة ،وبمنهج دفاعي عن الحياة كذلك ادافع عن حق الاجنة الذين لاذنب لهم سوى تخمين او خبرة او مزاج او تيه أو خروج عن المألوف يتم اعدامهم بطريقة أو بأخرى .
وبمنطق توازي الاشكال فان دائرة الإلغاء للإعدام يجب ان تكون على كلا الحالتين، فإعدام او اجهاض الأطفال بلغة وبمقاربة حقوقية مخالف للنظم الإنسانية، وقتل بارد للإنسان ولوجوده في الحياة .
كما ان التجريم والعقوبة بين فعل الإعدام والاجهاض الذي نتيجتهما وقف الحياة الإنسانية يختلف في نظر الشارع الذي تلقاه يعاقب على فعل القتل بأركانه جريمته المكتملة بالإعدام في حالات محصورة بعينها لكن فعل الإجهاض لطفل او جنين غير قادر على الدفاع عن نفسه قد يحاكم مرتكب الفعل على جرم وليس على نتيجة الجرم أي انه قد يعاقب على جريمة الخيانة الزوجية أو افتضاض ناتج عنه حمل أو اغتصاب أو عنف جنسي نتج عنه حمل نتج عنه اجهاض ،فنكون أمام جريمتين لكن النتيجتين اعمق ،فالنتيجة الأولى هي سبب للنتيجة الثانية ،هنا يصبح الفعل الجرمي معقدا ومركبا ،ليبقى السؤال مطروحا حول قيمة الحياة الإنسانية في نظرة المشرع الجنائي ،فان كانت الحماية فانه يتحتم الحسم القطعي بين تجريم سلوك القتل كيفما كانت صوره وسلطة القتل هنا تنتفي عن الانسان الذي هو انسان لا يملك هاته السلطة لان المكلف بالحياة والموت هو الله ،لذلك تبقى الحياة هبة الله في الأرض ،وان من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياه فكأنما احيا الناس جميعا .
فلا قتل في المنظومة الجنائية الإسلامية لأنها ليست عقوبة بل هي اعتداء والاعتداء يواجه بالاعتداء لكن بمحاصرته وتهذيبه والحد منه أي ان القصاص في منهج الإسلام هو قصاص الله على العبد أي نهاية لفعل الاعتداء وليس تتمة فيه، فكم من قاتل قتل وهو ليس بقاتل ،وتمر السنون وتظهر الحقيقة بعدما نفذ الامر وصار مقضيا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.