كتجربة سينمائية أولى له كمخرج، تناول عبد السلام عيشا يضلان وهو أيضا كاتب سيناريو، ابن أمزميز، في فيلمه “تونا روز” حامل الأمل، قصة اقتبسها من تجارب خاصة عاشها وتأثر بها أيما تأثير، حاول عبر تاريخه الفني أن يعبر عن مأساته تجاه ما تعتريه خلفيته الهوياتية من شوائب، يحضر فيها نقاش السلطة المتسلطة والمتجسدة في الأب، عبد السلام عيشا يضلان هو طالب استثنائي يدرس السينما بمعهد السمعي البصري بمراكش esav، وهو استثنائي بمعالجاته الفنية. وبأشكاله التعبيرية، كان مؤلف أغاني الراب، زاول المسرح، ينتقد ويؤلف تصورات جمالية تعبر عن الجيل الثالث الذي يمثله وجدانيا. عبد السلام هو مثال لمخرج خارج العقل الجمعي السينمائي، مشارك للآراء والأفكار حاضر داخل الفضاءات، متقن لما يفعله، ساعيا نحو مبدأ أن السينما يجب أن تحمل القيم. جاء فيلمه هذا متفردا من حيث الطرح ومن حيث الموقف من الهوية، إن “توناروز” خروج عن النمطية المعهودة في السينما الأمازيغية، هدم لصنم الجماعة الأبوية، داخل فيلمه يعكس لطافة الأب، وقساوته مما يضعنا أمام مفارقة سيكولوجية، بين المفكر واللا مفكر فيه المقبول واللا مقبول. عمل يقلب الطاولة على المجتمع التقليدي، الذي يحضر فيه الأب الفقيه، الجاهل بمتغيرات الحياة، الرافض للغة المعرفة والقانون. يدافع عن المجتمع الببغائي الذي يعيد تكرار نفس المجتمع، ويصارع البقاء ضد الرافض. إن فيلم عبد السلام هذا يعيدنا الى سكة النقاش حول تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة، الأخيرة التي آلمت مصيرها بالصمت والنضال اليائس، فقرار مصير الأنثى غائب عن يدها، يتقرر وسط هرج السوق وغوغائية، بين صنمين صعب هدمهما بالبساطة الممكنة، وبينهما طفلة تلمح وتستشرف أقوالا تمثل مستقبلها المتكرر، توجس طفولي بحمولة ناضجة. وببراءة تسائله حول قرار تزويج أختها “هل تكرهها” هذا السؤال الذي يحتمل كل شيء، سؤال نفسي، بين المرغوب المرفوض، واللا مرغوب المقيت، ببرودة الموقف يجيب الأب غناء ” إلى أين أيتها الجميلة، تحملين الحقيبة، وفستان الفرح، وتقبلين على الاخرين”. ف “إلى أين ” ذاك المصير المجهول المليء بالغبن، و “تقبلين على الاخرين” هؤلاء المغتصبين لحقك في الاختيار، وفي موقف اخر داخل الفيلم، رفض تام لاختلاط الانثى بالذكر حتى في لحظة الحق في الاستمتاع بعالم سرقه الذكر واستحوذ عليه وطرد الأنثى منه. فهي تلك الكينونة المدنسة، وفي لحظة مازحة تقرر الطفلة بنفسها اختيارها بالقول، “إن زوجي هو أيور” أي القمر، ولما تحمله هذه الكلمة من معاني الحب والأمل، فهو أملها كما رسمه كاتب السيناريو، لكن هذا الأمل سرعان ما سينمحي ويضرب عرض الحائط، ليتم اختيار مصيرها على يد أخرى لها الوكالة والوصاية الأخلاقوية لاتخاذ القرارات، فتزج تلك الأنثى في سجن زوج لم تختره بقلبها، ولم تقل له كم هي تحبه وستحلم معه بمستقبل جميل. وينطفئ نور “أيور” الذي أحبته. مسجونة داخل جماعة لم تعتد عليها ولا ان تعرفها، فحتى الكلام ممنوع داخلها، حضور الرجال كصوت يغتصب صوت المرأة اوتوماتيكيا، ويطرد من المكان. لماذا؟، لأن الحري به الكلام هو الأب المتسلط (المسؤول) ، أما حياتها هي فلا قيمة مطلقة لها. إن عبد السلام المخرج الشاب، وضعنا أمام مأزق المخيال الثقافي الأمازيغي الذي ما فتئ يعلن انسحابه من أفق جماعة إنسانية، تريد لنفسها التحرر والانعتاق من سلطة الاب الجاهل والأمي، وأنثى متعطشة لنيل قسط من الأمل داخل هذه الخصوصية المدمرة لوجودها.”توناروز” هو إعلان جريء راديكالي، ينصح بإخراج الصنم وهدمه، فلا مجال للمقدس والمدنس، فاما أن نؤسس للثقافة بعيدا عن منطق المهمش، أو نسقط في الشائب والمعوق في تكوين ثقافة الجماعة. زخرفة سينمائية لجديد في الإخراج السينمائي، مطرقة مهدمة لقيم تجاوزها الزمن. فما كرسه المجتمع الامازيغي المركز على الاب لهو من المعيب، يضعف المسار الصحيح لتكوين الجماعة السليمة التي تنخرط فيه المرأة كمكون أساسي ومشارك مطلق في إيصال هذا المسار الى نقطته الحقيقية، لا الى الانسداد لا أمل للمرأة فيه. ما نقوله عن هذا الفيلم بطاقة أمل للمخرج قبل بطلة الفيلم، هو إجابة مفترضة عن الإشكالات الجوهرية التي يعاني منها المجتمع الامازيغي من انقسام بين طريفيه الانثى الممزقة، والذكر السادي الذي جعل لنفسه مهمة الرقابة والفاهم والامر الوحيد. عبد السلام الكاتب لسيناريو “توناروز” ومخرجه، يعلنها مدوية بعودته لذاكرته كغاية للتخلص مما تبطنه نفسه ووجدانه حول هذه الازمة الثقافية الهوياتية، ليكون بطاقة عبور بعنوان “توناروز” كحامل للأمل أيضا.