خلال سنة 1999 تم تشكيل لجنة ملكية قصد صياغة ميثاق وطني ينظم المنظومة التعليمية، وكان من أبرز نقاط هذا الميثاق تنزيل مشروع التعاقد، بحيث تتعاقد الوزارة مع المواطنين المغاربة ذوي الكفاءات قصد التدريس وذلك في إطار مدة معينة. لم تتمكن الحكومات المغربية التي جاءت بعد تفعيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين من تمرير هذا البند (التعاقد) خوفا من ردة فعل الشعب وكذلك رعبا من انخفاض أصوات الناخبين، فضلا عن ذلك إيمان بعض الأحزاب بخطورة الأمر. إلا أنه خلال سنة 2016 استطاعت الحكومة المغربية بقيادة عبد الإله بنكيران من تنزيل مخطط التعاقد في الوظيفة العمومية وبالضبط في قطاع التعليم. آنذاك اجتمع رشيد بلمختار باعتباره وزيرا للتربية الوطنية مع الكتاب العامين للنقابات من أجل إخبارهم بالأمر، وتنزيله فيما بعد. في تلك السنة أعلنت الحكومة المغربية عن 8000 منصب (رسمي) في قطاع التعليم، بيد أنها لم تكن كافية وفضلت أن تجعل احتجاجات الآباء جراء الاكتظاظ الذي وقع (75 متعلما في الفصل) سببا ومبررا كافيا لإعلان التوظيف بالتعاقد وذلك ب 11 ألف منصب مع سحب 8000 منصب رسمي وفق المقرر المشترك 7259 الموقع بين وزير التربية ووزير المالية يوم 07 أكتوبر 2016. لن نفصل في الحديث حول ترشح حاملي الإجازة لتلك المباراة دون تساؤلهم حول مصير المناصب المسحوبة أو مقاطعتهم لها، لكن سنشير بالضبط للموضوع الأساس وهو التعاقد. بدهي جدا أن صندوق النقد الدولي لن يقدم للمغرب أي قرض دون أن تقدم له الدولة المغربية ضمانات لإرجاع القروض وفوائدها، فما كان من الحكومة المغربية إلا أن تقبل بشروط البنك “تخفيض كتلة الأجور، التوظيف بالعقدة في قطاع التعليم والصحة والجماعات المحلية…” وبذلك جعلت الحكومة مناصب المتعاقدين في إطار المؤسسات العمومية التي أحدثت بموجب القانون 07.00 وهي الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، (جعلتها) ضمن المعدات؛ أي “السبورات، الأقلام، المقاعد، الحواسيب…” بمعنى أنها مناصب ليست قارة كمثيلتها في نظام الوظيفة العمومية. بموازاة تمرير هذا المخطط صرح رئيس الحكومة السابق في قبة البرلمان قائلا “حان للدولة أن ترفع يدها عن قطاع الصحة والتعليم”، وبالتالي يتجلى بشكل واضح أن مخطط التعاقد ما هو إلا مدخل لرفع الدولة يدها عن القطاعات العمومية وجعل الموظفين رهائن تحت إمرة مشغليهم ورؤسائهم. ولأن هذا النوع من التوظيف أبرز شرخا واضحا بين الموظف بموجب عقد وزميله الموظف المرسم، تكتل الأساتذة المتعاقدون وأسسوا خلال 04 مارس 2018 تنسيقية وطنية تمت تسميتها ب “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”. منذ التأسيس كان الأساتذة ينظمون وقفات احتجاجية محلية، جهوية أو وطنية، ويضربون إضرابات متقطعة والتي اختتمت السنة الفارطة بعد إضراب لمدة 58 يوما بإضراب وطني لمدة 3 أيام كحداد على مقتل “عبدالله حجيلي” الذي تم اغتياله خلال معتصم للأساتذة المتعاقدين يوم 24 أبريل وليلة 25 أبريل 2019. من الطبيعي أن تلك الاحتجاجات التي صاحبت احتجاجات الطلبة الأطباء وباقي الفئات التعليمية بقطاع التعليم (حاملو الشواهد، الزنزانة 9…)، أربكت حسابات الدولة وجعلتها تتخبط في مشاريعها وكذا في تصريحات مسؤوليها. ونشير هنا إلى أنه بعد دعوة التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد لإضراب وطني يوم 20 فبراير 2019 ومشاركة باقي النقابات والتنسيقيات فيه، صرح رئيس الموارد البشرية التيجيني وبشكل مستفز بأنه ليس لدينا أي مشكل في حالة أضرب خمسون ألف أستاذ وأوقفوا الدراسة، ولأن وزير التربية الوطنية لا يمتلك مكابح لضبط ما يقول صرح بأنه لن يجلس بجانب الأساتذة المتعاقدين باعتبار إطارهم غير قانوني، ثم خرج يوم 06 مارس 2019 قائلا بأن التوظيف بموجب عقود خيار استراتيجي. مباشرة بعد ذلك شرعت الحكومة في تغيير التسميات الخاصة بالأساتذة المتعاقدين والتي انتهت باسم رسمي وهو “أطر الأكاديميات” وتنزيل نظام تابع للأكاديميات الجهوية كإطار منظم لحقوق وواجبات الأساتذة المتعاقدين والعقوبات الموجهة إليهم في حالة أي خطإ مهني والذي يحتوي على 114 مادة كبديل للمقرر المشترك الصادر سنة 2016. بالعودة لأسباب شرعنة هذا النوع من التوظيف والذي كان _كخلاصة للقول_ من أجل خوصصة مختلف القطاعات العمومية، والتي انطلقت ببيع شركة اتصالات المغرب والفنادق…إلخ فإن ما يمكن قوله وبشكل صريح أن ضمان المكتسبات القليلة التي حققها المغاربة منذ الأزل لا يمكن أن يتم من طرف الشغيلية التعليمية فقط، أولا لأنها لن تتمكن لوحدها من تحصين تلك المكتسبات، ثانيا لأنها مكتسبات تهم الأجيال الحالية والمقبلة. وجوهر الكلام أنه بتشكيل جبهة وطنية من مختلف الفئات الشعبية بغض النظر عن الانتماءات السياسية والإيديولوجية وبتجاوز للحساسيات التي لا غاية لنا بها، سيكون ممكنا إرباك حسابات الدولة وتحقيق مختلف المطالب، وغير ذلك فلن يحقق حتى الفتات.