كان الفرنسي جون ميشيل يعتقد بأن الأرض ستهتز عندما يموت زعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، وأن شلالات الدموع ستنهمر بغزارة من مقل المؤمنين من طنجة إلى جاكارطا. كما كان يعتقد أن الأرض في كل دولة من دول العالم ستفرش بالسجاد وسيصطف المصلون على مدى كيلومترات لكي يؤذوا صلاة الغائب على أميرهم أبي بكر البغدادي (الشهيد) الذي قتل نفسه. كان يعتقد السيد جون أن المسلمين سيفعلون تماما أو أكثر مما فعلوه مع الرئيس المصري الراحل الشهيد محمد مرسي حيث أقاموا عليه صلاة الغائب في كل دولة علانية أحيانا وسرا أحيانا أخرى. فالأول مجرد رئيس دولة شرعي كان يحفظ القرآن، ولكن الثاني هو أميرهم وقائدهم الأعلى. جلس السيد جون ميشيل في منزله قبالة التلفاز يقلب القنوات في انتظار رؤية الكرة الأرضية وهي تهتز بأقدام المسلمين وهم يجوبون الشوارع ويحثون التراب فوق رؤوسهم حزنا وكمدا على قائدهم وأميرهم المفدى. ولكن بعد أقل من أسبوع، بدأ السيد جون ميشيل يتساءل في استغراب: لماذا لم يبك أحد من مسلمي العالم على موت هذا الأمير، أمير الدولة الإسلامية؟ ولماذا لا تقام صلاة الغائب في كل دول العالم تماما كما أقيمت الصلوات على محمد مرسي رئيس مصر الشرعي؟؟ أليس هذا الأمير أميرهم؟ أليس هو خليفة رسول الله على أمته وخليفة الله في أرضه؟ التقى السيد جون مع جاره المسلم السيد جمال فقدم له العزاء قائلا: عظم الله أجركم في وفاة أميركم. فأجابه جاره: عن أي أمير تتحدث؟ قال: إني أتحدث عن البغدادي. فقال المسلم: ومن يكون البغدادي هذا؟ قال جون وهو يدرك أنه تورط في سوء تفاهم مع جاره: إنه أميركم أمير الدولة الإسلامية. ففهم المسلم واسترسل ساخرا وضاحكا ملء فيه وقال: الدولة الإسلامية؟ إنها ليست دولة إسلامية بل هي دولة أمريكية؟ قامت أمريكا بصناعتها لتقوم بتشويهنا وتشويه ديننا، ويبدو أنها قد نجحت بما أنك جئتني تقدم لي العزاء في رجل كنا ندعو عليه بالموت صباح مساء ونتبرأ منه في كل يوم وليلة. وجد السيد جون نفسه في موقف لا يحسد عليه، ولكن قبل أن ينطق بكلمة بادره جاره المسلم: هل كنت تصدق أكاذيب الإعلام وتكذب ما تراه مني يوميا من محبة وتعاون وحسن جوار؟ هل تعلم يا جون أن عدد المسلمين يعد بالمليارات فلو كانوا إرهابيين فهل كان سيبقى أحد منكم حيا؟؟ بلع السيد جون ريقه بصعوبة، وتنفس عميقا وكأن الهواء قد انقرض، ودك رأسه في صدره وانصرف. على نفس منوال ما فعله السيد جون ميشيل مع جاره السيد جمال، قمت في الوسط الذي أعيش فيه، ليس معزيا كما فعل السيد جون وإنما سائلا سؤالا متعمدا لأعرف إن كان الناس يهتمون بوفاة هذا الرجل: هل تعلمون أن البغدادي قتل؟ فوجدت الكثير من الناس لا يعبؤون بهذا الشخص إن كان حيا أو ميتا؟ بل بعضهم استنكر علي سؤاله فغضب وكأني سألته عن دراكولا أو ليكزورسيست، وقد اتضح لي أن سؤالي التافه قد أزعجه، ومن المضحك أن أحدهم أجابني قائلا: ومن أخذ ساعته الرولكس التي تساوي ستة آلاف دولار؟ يبدو أن العالم، منه الغربي تحديدا، قد وقف فقط عند الخطبة الأولى للبغدادي التي قلد فيها الخليفة الأول أبا بكر الصديق رضي الله عنه بقوله: “ألا وإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على الخير فأعينوني وإن رأيتموني على الخطإ فقوموني” ثم دعا إلى البيعة، كما نظروا إلى لباسه الذي يشبه لباس أمراء العباسيين، فصدقوا بأن هذا الرجل سيحكم باسم الإسلام وأنه أمير المومنين ومؤسس الدولة الإسلامية الحديثة على منهاج النبوة. وهكذا شرعوا في تأليف مسرحيات وحبك أحجيات حتى يسهل الإنقضاض على المسلمين حيث ما كانوا. فأتوا بأمهر ما في هوليود من خبراء لينقلوا عمليات ذبح الأبرياء وقطع رؤوس مسيحيين لا صلة لهم بالحرب من قريب أو بعيد. ولكن الآن بعدما تم الإعلان الرسمي عن قتله، لما لم يلاحظوا بأن الأرض لم تهتز لوفاته، وأن دمعة واحدة لم يسكبها المسلمون على أميرهم المزعوم، وأن الناس أصلا لا يعيرون أدنى اهتمام لوفاة هذا الخنزير البري الطائش الذي لا يعرفونه ولا يطيقونه، بل دعواتهم عليه بالموت والويل والثبور كانت كأذكار الصباح والمساء. إن الذين التحقوا بتنظيم الدولة الداعشية، إنما هم مرتزقة لا علاقة لهم بالإسلام بل لا يحسنون الوضوء حتى، وقد جاءوا من مختلف دول العالم، أي فيهم الفرنسي والأمريكي والإنجليزي والعربي والمسلم والمسيحي واليهودي… أي لقد كان تنظيما لقيطا لا دين له ولا ملة أو هو عبارة عن مجموعة من العملاء الذين ينتمون إلى دول مختلطة كل دولة لها هدف، لتلتقي جميع الأهداف في تشويه سمعة الإسلام دين السلم والرحمة والرفق بالإنسان قبل الحيوان. لماذا لم تنزل كاميرات الصحافة العالمية إلى المساجد وتسأل لماذا لم تُقم صلاة الغائب على (الشهيد)؟ أو تطرق أبواب المراكز الإسلامية لعلها تجد تأبينا وبكاء وقراءة القرآن وتبادل التعازي المرفوقة بالدموع؟ خلاصة القول، لقد كانوا يعلمون أن تنظيم داعش من صناعتهم أنفسهم، وأنه لا علاقة تربطه بالإسلام والمسلمين، فقط هي الفوبيا من دين يعرفون أنه يحمل جميع مقومات البقاء والاستمرارية في الزمن، وأنه دين يحبه ويعتنقه كل من يتعرف عليه من أي ملة كان سواء كان مسيحيا أم يهوديا.