إن المتأمل في تاريخ الحضارات القديمة والحديثة، وفي أحوال الدول المتقدمة أو القوية اقتصاديا، سيرى وبلا شك أنها تعطي قيمة كبيرة للشباب، وتجعله في مركزية اشتغالها في برامجها المتعلقة بتنمية الانسان، إذن رهان الدول المتقدمة هو اهتمامها غير العادي بالشباب، من خلال؛ الاستثمار فيهم بواسطة إعطاء القيمة لهم، وتشجيعهم على الابداع والابتكار، والعمل على الاستثمار الإيجابي في احتياجاتهم، وجعلهم في مركز القرار، لأن الأمم التي لا تهتم بشبابها، عاجلا أم آجلا، ستنقرض أو ستموت، أو على الأقل، ستصبح في وضع لا يحسد عليه؛ وضع الضعف والانهزام أمام الدول العظمى الأخرى. الحياة الاجتماعية هي نمط عيش مجتمع معين، والتي تتكون من القيم والمعتقدات والتقاليد والأعراف والأنشطة اليومية وغيرها، فهي جانب أساسي ومهم في حياة مجتمع من المجتمعات، باعتبارها الأساس الذي يحدد سلوك الأفراد وعلاقاتهم وطبيعتها، وكيف يعيش الانسان داخل المجتمع؟، فالمؤسسات الناضجة في العالم، تستثمر استثمارا غير عاديا في الحياة الاجتماعية للأفراد المشتغلين معها، من خلال خلق فضاءات للتكوين المستمر والترفيه، وجعل الناس يشعرون بقيمتهم داخل المجتمع، ومنحهم الثقة ليشتغلوا وليطوروا من إمكاناتهم، لدرجة أن الشركات تهتم بالحياة الأسرية للأفراد الذين يشتغلون معهم، وتدخلهم للاستفادة من برامج الإرشاد الأسري، فالمستقر أسريا، حتما سينتج داخل الشركة وخارجها، ثمة أمثلة يمكن إيرادها في هذا الصدد، لكن فلنوجه السؤال لأصحاب القرار، أي دور للشباب في تخليق الحياة الاجتماعية؟ هل فعلا توجد برامج اجتماعية تتخذها الهيئات السياسية منطلقا لحل إشكالات الشباب؟ هل نحن قادرون على إعطاء المسؤولية للشباب لينطلقوا في تخليق الحياة الاجتماعية؟ هذا الموضوع، يفرز تساؤلات كثيرة ومتعددة وغاية في التعقيد، ويصعب حصرها، لكن هناك حيز هام، يمكن للشباب أن يساهم في تخليق الحياة الاجتماعية، فالمطلوب من الشباب، أن تكون دافعيتهم قوية للإنجاز وتحقيق التفاعل الإيجابي، والبحث عن فرص جديدة لصناعة ذواتهم، ولإبراز قدراتهم وإمكاناتهم في مختلف جوانب الحياة، بمعنى آخر، أن في يد الشباب الجزء من الحل لمشاكلهم، ويتجسد الحل في مدى استعدادهم ومبادراتهم وانشغالهم بأمور كبيرة، تكون بحجم تطلعات الشباب، وأن يمتلكوا همة عالية،ليواصلوا مسيرة الإصلاح والتقدم، من جهة أخرى، هناك طرف آخر في إيجاد الحل المناسب، فالدولة مسؤولة بكل أجهزتها ومنظماتها ومؤسساتها على توفير الجو العام والمساعد للشباب لتخليق الحياة الاجتماعية، من خلال إدراج برامج قوية في التنشئة الاجتماعية، وتطوير المدرسة العمومية، والإستثمار في مجال التربية والتعليم، باعتماد برامج قوية جدا، وبتشغيل أطر أكفاء، قادرون على منح صورة ذهنية واضحة المعالم للشباب، لتشجيعهم على رؤية المستقبل وتخيله وتمكينهم من الوسائل اللازمة للاشتغال عليه، وكذا توفير كل ما يلزم الشباب ليصلوا إلى مراكز القرار، لأن من يدرك مشاكل الشباب هم الشباب أنفسهم، هذا القول؛ يوحي بأنه لابد من التفكير في قضايا الشباب، كفرص العمل والتشغيل، وإعطاء النموذج الأمثل للاقتداء به، وتشجيع الشباب على الانخراط في الحياة السياسية، كمنطلق أساسي للولوج إلى الحياة الاجتماعية، لتحسينها وتطويرها وتخليقها في منحى إيجابي، يعطي قيمة كبيرة للشباب، ويمنحهم القيادة والإدراة لتسيير حياتهم الاجتماعية، وهنا يتجلى الدور الحقيقي للشباب في الدفع بعجلة التنمية نحو التقدم والإصلاح. * مدرب متخصص في تطوير الذات