في دراسة حديثة نشرتها الدورية الأمريكية العلمية المحكمة المختصة بدراسة العلاقة بين الأديان والصحة (( J.R.H والتي تحتل المرتبة العاشرة عالميا ضمن الدوريات العلمية التي تتناول العلاقة بين العلم والدين، والتي تصدرها دار النشر العملاقة “spinger”، جاء فيها أن المسلمين المتدينين أكثر سعادة وإيجابية وثقة بالنفس وبالآخرين. لقد شملت الدراسة 240 طالبًا جامعيًا (مسلمًا) من جامعات كوالالمبور بماليزيا أعمارهم تتراوح بين 17 و 40 عامًا، وقد اعتمدت الدراسة على مجموعة من المؤشرات والمعايير منها الإيجابية والثقة بالنفس والثقة بالآخرين. لقد اكتشفت الدراسة العلاقة القوية بين الإيجابية وبين تدين المسلمين وبين مستوى سعادتهم، وثقتهم بأنفسهم وبالآخرين. ومن المؤكد أن نتائج هذه الدراسة ليست بالغريبة ولا بالعجيبة في المفهوم الإسلامي، ولكن يهمنا فقط أن يعلم الآخر أن المسلم المتدين إن كان سعيدا مطمئن النفس وإيجابيا، فالأمر يرجع إلى دينه الإسلامي الذي لم يحرف ولم يغير. بل بقي كما هو من عند الله الخالق الذي أنزل الكتاب وتوعد بحفظه لا ياتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه. فمن أين جاءت هذه الطمأنينة للمسلمين؟ وما الذي جعلهم لا يفكرون في الانتحار، مثلا، عندما تشتد في وجوههم الخطوب كما يقع للغربيين؟ ولماذا لا يقلقون على مستقبلهم؟ ولماذا لا يتأسفون على ما فات من أعمارهم؟ قال الله تعالى في سورة الرعد: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). فمن بين كل البشر يقف الإنسان المسلم المتدين وحده مطمئنا بإيمانه وبذكر ربه، مما يجعله مطمئنا على واقعه ومستقبله، وإذا كان العالم كله يعيش في كبد وضيق وخوف على الرزق فتراه ينهب بالليل والنهار، فإن المؤمن مطمئن البال لعلمه أن الله تعالى هو الرزاق، وقد كتب له رزقه وهو لا يزال في بطن أمه. أي هو يعلم أنه مسير في رزقه، ولن يغضب إن قل رزقه، لعلمه أن في مقدار رزقه حكمة إلاهية حيث قال الله تعالى: (لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء) أي هو يعلم أنه ميسر لما خلق له، وأن الله تعالى أعطى الغنى لأناس لعلمه بأنه الأفضل لهم، وأعطى الفقر لآخرين لعلمه بأنه الأفضل لهم. فكيف للإنسان المؤمن إذن أن يكفر أو يغضب أو يشمئز أو يرتبك مع هذا العلم اليقيني بأن اختيار الله له أفضل من اختياره لنفسه. وإذا نحن حاولنا أن نعالج المسألة من المنظور الغربي نفسه، صاحب الدراسة، سنجد الإنسان المؤمن وحده من يتمتع بالراحة النفسية والاستقرار والإيجابية، وإذا كان قد أجمع المفكرون الغربيون على أن الشخصية السوية لابد أن يتوفر فيها خمس خصال: أي لابد أن تكون متزنة على المستوى الشخصي والروحي والمهني والصحي والاجتماعي. فعلى المستوى الشخصي، والذي يعني علاقة الإنسان بأهله: زوجته وأبنائه ووالديه، فإن الإسلام قد رفع قدر الوالدين بطريقة لا توجد عند باقي الديانات، سواء كانت سماوية أو وضعية، ولذا يكاد يكون الإنسان المؤمن المسلم هو الوحيد الذي يتعامل مع والديه أفضل مما يتعامل مع نفسه لأن الله تعالى قد أوصى بالعناية بهما حتى ولو كانا كافرين. وكلما أحسن الإنسان إلى والديه ورفعهما المكانة التي يستحقانها إلا وشعر بسعادة غامرة، وراحة بال لا نضير لها، فضلا عن أنه سيحضى برضا الله الذي ذكر الإحسان إليهما مباشرة بعد ما ذكر عبادته، فقال: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا). وأما فيما يخص تعامله مع زوجته فيكفي أن من آخر ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى: “رفقا بالقوارير” وهو الذي دعا إلى الالتفات إلى الجوانب الإيجابية في المرأة رغم ما قد يصدر عنها من سلوك غير محبب ولا مقبول فقال: “لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا أحب آخر” وهذا المنهج أسس فيه الغربيون نظريات واستراتيجيات تربوية واجتماعية كما فعل ستيفن كوفي حين تحدث عن “دائرة التأثير ودائرة الهموم”، وكين بلانشار حين تحدث عن نظرية تغيير السلوك التي سماها بقوله: “إذا أردت أن تغير سلوك إنسان ما، فغير سلوكك”. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب كل مسلم على وجه الأرض بقوله: ” خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”. وأما التعامل مع الأبناء فيكفي أن يقول عليه الصلاة والسلام: “كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت” أي لا يمكن الاكتفاء بالجوانب المادية في التعامل مع الأبناء بل لابد من تربيتهم على القيم والأخلاق والدين حتى ينشؤوا على نفس السعادة في الدنيا ولعهم يحضون بما هو أفضل منها في الآخرة. وأما على المستوى الاجتماعي، فإن الإنسان المسلم لا يمكن له إلا أن يكون اجتماعيا، لأن العديد من العبادات التي يقوم بها كلها تحتم عليه ذلك، كصلاة الجماعة، والحج، والصيام الذي لم يفرض إلا في السنة الثانية، أي حين اكتمل المجتمع المسلم، فضلا عن العديد من التعاليم النبوية التي من شأن الأخذ بها أن تحول الإنسان المسلم إلى اجتماعي الطباع والسلوك منها، مثلا، قوله عليه السلام:”سلم على من عرفت وعلى من لم تعرف”، وقوله: ” المسلم أخو المسلم…”. وعلى المستوى المهني فتعاليم الإسلام تفرض على الإنسان المسلم التحلي بالأمانة وإتقان العمل، فجعلت رحمة الله تدرك من عمل عملا فأتقنه، كما حثت عليه حتى ولو قامت القيامة حيث قال عليه السلام: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”. وأما على المستوى الروحي فيبقى الإنسان المسلم شامة بيضاء بارزة وسط سواد الانحراف الغربي والتيه بين الماديات التي وصلت به إلى الباب المسدود كما قال ميشيل فوكو في آخر محاضرة له بباريس، والتي هي سبب رئيس في انتشار الانتحار في بلدان راقية ماديا كالسويد، ولكنها فارغة روحيا. وفيما يخص الجانب الصحي فيكفي أن يكون هناك شيء اسمه الطب النبوي، والذي تؤكده الأحاديث الصحيحة في التعامل مع البدن من عناية ونظافة بل جعلت العناية بالنفس حقا، وجعلت النظافة من الإيمان. فكيف لا يكون الإنسان المسلم أكثر سعادة وهو يؤمن بأن كل الأمور بيد الله وأنه سبحانه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وهو الرحيم بعباده بل هو أرحم عليهم من رحمة الأم بولدها.