كلما حلت مناسبة ليتبث المغرب و المغاربة أنهم شعب التسامح الذين يعيشون فوق تراب بلد حاضن لجميع الأطياف و الأفكار و الأديان و الإيديولوجيات، يخرج من جحور غطتها غيوم سوداء أناس لا يريدون للمغرب أن يكون ذلك البلد الذي لطالما حلمنا به حيث يسير اليهودي جنبا لجنب مع المسلم، ويتجاور الشيعي و السني في زقاق حينا الداخلي، ويخرج الملحد الى جانب المؤمن في مسيرة واحدة دعوة للسلام. مناسبة الحديث ان زيارة بابا الفاتيكان الأخيرة قد لقيت ما لقيت من الهجوم من بعض الاستئصاليين و المحافظين الذين وجدوا الفرصة سانحة للغوص في المسائل الخلافية و العودة للنبش في تاريخ الحروب الصليبية ونابليون بونابارت ووو، رغم ان الأمر لا يستحق كل هذا الخبث و العودة بالعالم الى الوراء، خصوصا فيما يتعلق بالمسائل الفكرية و الايديولوجية والعقدية. خرج البعض مدعيا ان زيارة البابا هي فرصة لفتح الباب امام التنصير في المغرب، وهذا تخوف غير مشروع و غير معقول، فالمواثيق الدولية التي سمحت لجميع معتنقي الأديان بالدعوة سلميا لأديانهم و السعي لانتشارها، هي نفس المواثيق التي تسري على المسلمين و المسيحيين، ومن حق المغاربة أن يتنصروا أو يتهودوا أو أن يتخلوا عن أديانهم، بنفس الطريقة التي يأتي بها عدد من الملحدين واللادينيين ومعتنقي الأديان الأخرى الى الإسلام بفضل مختلف المشاريع الدعوية المنتشرة داخل المغرب، من المساجد الى البرامج التيليفزيونية وصولا الى المقررات التعليمية التي ترسخ لفكرة “كل مغربي مسلم بالفطرة” بفرض مادة التربية الاسلامية في المقررات التعليمية، وهذا أمر فيه اختلاف لكنه يضمن خصوصية ذاتية للمغاربة الذين أصبح بعضهم لا يقبل مقابل كل هذا ان تتم الدعوة لأي دين أخر غير الإسلام في بلده، وهذا غير منطقي. لست هنا ادافع عن التنصير بوجه الخصوص، ولا ادعو الناس أن يتنصروا او ان يعتنقوا أديانا غير التي يقتنعون بها، لكن شماعة “محاربة التنصير” قد ولدت عند بعض المغاربة مخاوف غير موجودة أصلا، و من تسبب فيها هم وسائل إعلام داعية للحفاظ و الدفاع عن “الهوية” ، لكن “هوية” المغاربة أكثر ما تم مسه بهذه الحملة المغرضة التي رافقة زيارة قداسة البابا الى المغرب وروجت لصورة جد مغلوطة عن المغرب، وكأننا نعيش في بلد متحجر لا يعترف الا بما تؤمن به أغلبيته. قال البابا عند إعلامه بقدومه الى المغرب: “إنه لمن دواعي فرحي أن أتشارك معكم مباشرة هذه القناعات في اللقاء الذي سنعقده في مدينة الرباط، إن هذه الزيارة، علاوة على ذلك، ستمنحني الفرصة الثمينة لِلِقاء الجماعة المسيحية الموجودة على أرض المغرب وتشجيع مسيرتها”، هذه الجملة أثارت حفيظة البعض، بدعوى ان البابا هنا من اجل دعم جماعة تنصيرية، وقد يكون الأمر صحيحا نسبيا لكنه لن يهدد المغرب في شيئ لأن تماسك الدولة المغربية مبني على الاختلاف و التعايش و التسامح بين الأديان .. فكيف يرحب البعض بزيارات شيخ الأزهر مثلا الى الدول الغربية بينما ينتقد بشدة وجود بابا الفاتيكان في دول غالبيتها مسلمة. فكأنما يقال لنا إن إسلام المغاربة على شفى حفرة من الزوال بسبب كلمة “يسوع” او “الرب”، وأن جماعة تجوب شوارع المملكة محملة بالانجيل فذلك كاف لجعل المغاربة يغيرون دينهم، ا لهذه الدرجة اضحى الاسلام خفيفا في قلوب البعض و ضعيفا في عقولهم ؟ وحاشا لله ان يكون كذلك، لكن هذه هي الصورة الوحيدة التي يتم ترسيخها لدينا عند قيام “حراس الفضيلة” بمهاجمة قمة الرباط التي استقبل فيها الملك محمد السادس بابا الفاتيكان ب0عتبراه رمزا دينيا يدعو للسماح يمثل جزءا كبيرا من المسيحيين الموجودين في مختلف بقاع العالم. سماحة الإسلام من سماحة الأديان الاخرى و في المغرب مرحب بكل من يحمل كلمة لا سيفا، ومهما اجتاح الظلام أركان بعض الزوايا المظلمة داخل المملكة الا ان صوت العقل لا بد ان يظهر من وسط كل هذا الخراب ليقول كلمة واحدة “مرحبا بأهل السلام”. 1. وسوم