وضع رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بن كيران، نفسه وأتباعه في موقف محرج، بعد تأكيده صحة ما راج، حول إستفادته من تقاعد إستثنائي، حيث صرح عبد الإله بن كيران، في كلمة ألقاها الأسبوع الماضي أمام ملتقى شبيبة العدالة والتنمية، أنه حصل على تقاعد إستثنائي يقدر ب 90 ألف درهم للشهر الواحد، يقول بن كيران أن الملك محمد السادس أمر بتمتيعه بمعاش إستثنائي بعدما بلغ إلى مسامعه أن رئيس الحكومة السابق “مزيرة عليه الوقت” وتأزمت وضعيته الإجتماعية منذ عزله من مهام رئاسة الحكومة. عبد الإله بن كيران الذي تلقى تعويضات دسمة عن نهاية الخدمة كرئيس حكومة سابق، ناهيك عن مداخيل و أرباح مشاريعه الخاصة، حيث أنه يمتلك موسسة دار السلام للتعليم الخصوصي، التي تذر عليه أرباحا بملايين السنتيمات، لم يجد مبررا لتبرير إستفادته من تقاعد إستثنائي، الذي يشكل أهم أبرز مظاهر الريع، الذي ظل يردد على مسامع المغاربة أنه جاء هو وحزبه لمحاربته، و القضاء عليه، سوى إظهار نفسه بمظهر المتسول المعوز المحتاج، ويدعي أنه يمر بضائقة مالية خانقة، منذ نهاية مهامه كرئيس للحكومة المغربية. بن كيران الذي أفقر أغلب المغاربة في فترة حكمه، وحكم على أغلب فئات المجتمع المغربي، خاصة طبقتي الكادحين وبسطاء الشعب بالتقشف وأذاقهم بسياسات حكومته أنواع الظلم والحرمان الإجتماعي، ألحق الضرر البليغ بالموظفين من خلال الزيادة في الإقتطاع من رواتبهم، وتقليص معاشاتهم، وزيادة سن التقاعد، نجده اليوم “بلا حشمة بلا حياء” يبحث عن مخرج ومبرر لإقناع المغاربة بأن حصوله على تقاعد إستثنائي دسم، دون حتى أن يساهم فيه ولو بسنتيم واحد منطقي وسليم. بن كيران الذي إبتدع في ولايته مبدأ الأجر مقابل العمل، وسلطه على رقاب المضربين عن العمل بالإقتطاع من أجورهم، مع أن الإضراب حق مشروع يكفله الدستور المغربي وكل القوانين الدولية، نجده اليوم دون خجل أو حرج يحاول تبرير حصوله على تقاعد غير مستحق رغم عطالته عن العمل، بل الأكثر من ذلك تهجمه الشديد على من ينتقد تمتيعه بهذا المبلغ الزهيد من المال العام. وإتهامهم بأنهم “ماكايحشموش” وينبشون في ما لا يعنيهم، داعيا إياهم بإحترام وتوقير “سيدنا” (بتعبير بن كيران) بإعتبار أن الملك هو من أمر بتمتيعه بمعاش إستثنائي وبعث مستشاره فؤاد علي الهمة ليبشره بذلك، حسب ما إدعاه بن كيران. هوس بن كيران بالدرهم بلغ به حد إظهار الذلة والمسكنة، يشتكي من ضيق ذات اليد وأنه” معندو والوا”. بن كيران الذي كان يطالب حين كان نائبا برلمانيا، بإلغاء المعاش الإستثنائي، وإعادة النظر فيه بعدما وجه سؤالا شفويا إلى فتح الله ولعلو، وزير الإقتصاد والمالية في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، وكان ينتقد فيه حينها، حصول وزراء سابقين على تقاعد إستثنائي، مستدلا بقصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع بطنه بعدما واجهها بقوله قرقري أولا تقرقري فوالله لن تذوقي طعم اللحم حتى يشبع أطفال المسلمين، وجد نفسه بعد سنوات من مطالبته، بإلغاء التقاعد الإستثنائي يستفيد منه، بل يبحث عن مبرارات ليستمتع به، بلغت حد إدعاء الفقر والعوز والحاجة وضيق الحال. بن كيران الذي كان بالأمس، يحتج يزبد ويرعد، على تقاعد الوزراء ومعاشاتهم، أصبح اليوم يقبله، لا بل يدافع عنه ويدعي أحقيته به، لم تعد تعنيه قضية القرقرة و الغرغرة، بل همه إشباع بطنه إلى حد الثخمة، لم تعد تلهمه قصص الصحابة عن الزهد عن ملذات الحياة ومغرياتها، بل تستهويه ملايين التقاعد والحصول على ما لذ وطاب من تعويضات، وأن يكون من علية القوم. يبدوا أن بن كيران الذي خاطب يوم أن كان نائبا برلمانيا الوزير لعلو بالقول أننا دولة إسلامية والواجب علينا كدولة إسلامية أن نهتم بالمواطنين الذين لا يملكون شيء بدل الإهتمام بالوزراء ومنحهم معاشات، نراه اليوم يتناسى أننا في دولة إسلامية، يستحل لنفسه ما كان قد حرمه على الوزراء السابقين، ويتناسى أن هناك مواطنين محتاجين لا يملكون شيء، ملايين منهم يعيشون تحت عتبة الفقر، بسبب سياسات بن كيران نفسه، لما كان رئيسا الحكومة، وسياسات النظام الحاكم الذي يغدق على بن كيران اليوم بكرمه ويكافئه على إتمام مسلسل الإفقار ونهب وسلب جيوب المواطنين تحت عباءة الإصلاح. بدل أن يستشعر بن كيران الحرج، ويخجل من تناقضه الصارخ، وشيزوفرينيته الفاضحة، ويتسحضر قيم المرجعية الإسلامية التي ينهل منها بعضا من خطبه ومواعظه يغيب بها بعضا من أنصاره وأتباعه، نراه يتوعدنا ببث حلقة خاصة عبر تقنية الفيديو ليشرح لنا كثيرا عن حالته الإجتماعية، ويعطينا ربما بالتفصيل مصاريفه اليومية، لا لشيء سوى ليحاول تبرير تمتيعه بتقاعد إستثنائي سخي، والحقيقة التي ينبغي على بن كيران أن يعرفها، أن المواطنين الذين يرفضون، ويستنكرون، ويعيبون عليه حصوله على تقاعد بهذا المبلغ، لا يعنيهم كثيرا كيف يعيش بن كيران حياته، وأين يصرف وكيف يصرف مداخليه، بقدر ما يهمهم ما تلقى من تقاعد سمين من المال العام، في الوقت الذي يعيش ملايين المغاربة أوضاعا مزرية، ويرزح الملايين من الشباب تحت وطئة البطالة، بل في الوقت الذي ينعم فيه بن كيران بتسعة ملايين سنتيم في الشهر الواحد “مليون ينطح مليون” من المال العام، هناك آلاف من الشباب حكم عليهم بن كيران وأمثاله بسياساتهم، بركوب قوارب الموت، ومواجهة أمواج المحيط الأطلسي، والمخاطرة بأرواحهم، بحثا عن سبل تحقيق أدنى شروط العيش الكريم. كيف لبن كيران الذي يظهر نفسه دائما بالمتدين الطاهر، الذي يملك يدا نظيفة، لم تتلطخ بنهب المال العام، أن يقبل لنفسه أن يتقاضى هكذا تقاعد؟ هل من المعقول شرعا ومنطقا أن يحصل على معاش بقدر 9 ملايين سنتيم في بلد متوسط الأجر فيه لا يتعدى 3 إلى4 آلاف درهم؟ نعرف عن عبد الإله بن كيران في جل خطاباته ولقاءاته، أنه يستحضر دائما سير الصحابة، وقصص الصالحين من التاريخ الإسلامي، يستشهد بها حتى يمرر ما يريد تمريره، فماذا حدث في موقعة تقاعده؟ألم يجد في نصوص الشرع، وكتب السيرة، والفقه، والتاريخ، ما يتناسب معها، وما يقيسها بها، حتى يتأكد من عدم معارضة تقاعده السخي، مع مقاصد المرجعية الإسلامية؟ نحن نعلم وبن كيران أيضا يعلم أن كتب الفقه والسيرة غنية بما ينبذ ويحذر المسلمين وعامة الناس من أكل أموال الناس بالباطل، وتقاعد بن كيران الإستثنائي يدخل ضمن هذا الباب، أي أكل أموال الشعب دون وجه حق، لو إجتهد بن كيران قليلا، وكلف نفسه عناء البحث حتى يقي نفسه شر أكل أموال الناس بالباطل، لوجد قصة العامل الذي كلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمع أموال الزكاة، والمعروف بإبن اللثبية وهي قصة مشهورة يضرب بها المثل في النهي والزجر عن أكل المال العام بدون وجه حق، فقد إستحل إبن اللثبية مالا لنفسه حرمه الله ورسوله، بالقول هذا لكم وهذا أهدي لي، كما إستحل بن كيران اليوم لنفسه تقاعدا إستثنائيا من المال العام، بقوله “هداه لي سيدنا” (وجه المقارنة ليس بين الصحابي إبن اللثبية رضي الله عنه وبين بن كيران بل بين إستحلالهما معا لمال محرم عليهما)، وأمام إستحلال إبن اللثبية ما حرم الله عليه من مال، كان لزاما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الناصح والموجه والقدوة لأمته، أن يزجر وينهر، بل ويضع منهجا وحدودا، لحماية المال العام من النهب، فكان رده أن وقف مغضبا، مخاطبا صحابته فوق المنبر قائلا ” ما بال العامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي، أفلا قعد في بيت أبيه او في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة له خوار أو شاة تيعر” هذا ما حذر به رسول الله عامل الزكاة، فكيف بمن على عنقه 9 ملايين سنتيم عن كل شهر من المال العام؟ أي نوع من العقاب سيجازى به؟ وبأي وجه سيلقى الله؟.