بينما أنا غارق منهمك في البحث عن الحكم الشرعي للإحتفال برأس السنة الميلادية وجدت اختلافات كثيرة وأقوالا متضاربة للعلماء والعامة بين مجوز ومانع الشيء الذي أدخلني في حيرة من أمرى وقلت في نفسي لماذا كل هذا الإختلاف ؟ أين الانسانية والتسامح ؟؟ أولم يقل نبينا الكريم عن الايمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ؟؟ وعيسى عليه السلام أليس رسولا يستحق أن يُحتفل به ؟؟ وفي لحظة وأنا أحاول أن أجد الخيط الناظم لكل هذه الإشكالات ، إذ بالله عزوجل بعث أليّ بمخلص أخرجنى من خيرتي وبين مقدار قبحنا وخبثنا نحن المسلمون ومدى بعدنا عن جادة الصواب ومبادئ القيم الكونية ، نعم لقد بعث الله إلي مخلصا جعلنى أخجل من نفسي ومن طريقة تفكيري وباقي المسلمين . نعم لقد كان هذا المخلص هو صديقي الألماني Peter وهو مسيحي لم يحصل بينا اتصال منذ أيام الدراسة الجامعية ، ربما هي متاهات الحياة التي جرفت كلا منا إلى ضفة في قارة من قارات هذه البسيطة ، وقد كان صديقي هذا أظرف وأكثر تسامحا وتفهما مني للآخر( هذه حقيقة) ، وأذكر أن قلبه الصغير كان يسع البشرية جمعاء في حين كنت أنا ضيق الصدر ولا أطيق إنسانا ولا حيوانا ، لقد كنت أدوس النمل برجلاي وأقتل الفرشات بيداي وكنت أتمنى لو يتسنى لي الأمر لأتحكم في الأكسيجين وأمنعه عن كل المختلفين معي بخلاف Peter الذي كان يؤثر الصراصير والجردان على نفسه ولو كان به خصاصا حيث مرارا وتكرارا كان يقدم وجبته لهذه الكائنات ويبيت هو جائعا مستمتعا بسمفونية أمعاءه ، المهم أن صديقي هذا كان ظريفا ووسيما أعطاه الله تعالى بسطة في المال والجمال والعلم أيضا ، وها هو ذا يتصل بي اليوم ليطمئن على أحوالي في وقت كنت فيه في حيرة من أمري . وبعد أخد ورد في الكلام أحس صديقي المرهف الحس أن بي ضائقة وأني أعاني من شئ ما ، فاستفسرني عم ألم بي ، فصارحته وقلت له إني قد احترت في مسألة الاحتفال بميلاد عيسى خاصة وأني أردت أن أتغير وأن أنزع جلباب الرجعية والتخلف وقميص اللاإنسانية وأرتدي معطف التقدم وهندام الكونية وربطة عنق التسامح وأرش عطر الخيرية فقد سئمت من الحقد والانانية نعم لقد اردت أن أصبح صديقا للصراصير . فصمت Peter طويلا ثم أجابني وهو مصدوم إذ لم يستسغ تشردمنا حول مسألة أخلاقية وإنسانية أكثر مما هي دينية ، ثم رد عليّ ردا محرجا كما قلت في السابق جعلني أخجل من نفسي وتمنيت لو تششق الأرض فتبتلعني حيث قال لي بالحرف : أن جميع الطوائف المسيحية سواء الكاثوليك أو البروتيستان أو الارتودوكس كلهم مجمعون على تقديس أعيادنا ( يقصد نحن المسلمون) الدينية ، وكلهم مجمعون على وجوب شراء أضحية عيد الاضحى (الخروف) ونحره يوم 10 ذي الحجة بتقويم المسلمين وأن كل من لم يلتزم بذلك فهو معتد أثيم وقليل الإنسانية ولا علاقة له بالقيم الكونية ، بل الاكثر من ذلك يضيف صديقي Peter أن كل المسيحيين كبيرهم وصغيرهم ذكرانهم واناثهم يرون وجوب صوم رمضان وأن الحريرة والشباكية لا بد من حضورها على موائدهم كعربون أخوة يظهرونه للمسلمين وللبشرية ، حاولت مقاطعته فقاطعني وأضاف بحدة لم أعهدها فيه ونبرة في الصوت لم أألفها في صديقي الأليف صارخا في وجهي : كيف تختلفون حول الاحتفال بمولد عيسى ونحن ( يقصد المسيحيين الألمان) نفكر في الحج إلى الكعبة لنشارككم هذه الشعيرة ولنعلن من هناك مدى حبنا لطقوسكم ومدى تعلقنا بكم وأننا ورائكم وسنقتفي أثركم حتى لو دخلتم جحر ضب سندخله معكم . الحقيقة أني بدأت ارتجف وأتفصد عرقا وأحسست أن سروالي قد بدأ يتبلل فغرقت في واد من الخجل خاصة بعدما أدركت مقدار تخلفنا وبعدنا عن ركب الإنسانية مما أوقعني في مأزق ولم أجد الكلمات التي سأرد بها على صديقي PETER ولم يبق أمامي إلا حلا واحدا ووحيدا حيث غيرت نبرة صوتي وأدخلت عليه شيئا من النعومة وقلت له بلطف : ” المعذرة سيدي رصيدكم لم يعد كافيا لإتمام هذه المكالمة المرجو تعبئة رصيدكم وشكرا ” ثم أطفأت الهاتف في وجهه البشوش وأخرجت البطارية وألقيت بها في قناة الصرف الصحي كي لا يستطيع الاتصال بي مجددا فقد أحرجني بما يكفي . أعتذر صديقي Peter وأعدك أنني سأشتري الحلوة وسأحتفل لأحس بالإنسانية ولأحضى بالمباركة الربانية .