صراعنا اليوم ، هو صراع افكارالزمن الآني ونقيضها من الموروثات ، الاشكال في ان الصراع طال دون الوصول الى احد الجانبين من التناقض الفكري ، فلا بد لأحدهما من البروز وفرض ذاته. نحتاج ان نحجم ماكان ،لينطلق ماسيكون،وبينهما لا يجب ان نبقى في متاهة ، ولا نبقى في حيرة ذواتنا البينية والبرزخية ، والتي لم تفرض نفسها بعد ، ومزالت تحكمها الصدفة والعشوائية والامور الغيبية في غياب تام لذات المفكرة والعقلانية. العولمة كصيرورة جدلية ومرحلة انتقالية ومما لا شك فيه ان للعولمة الدور في عولمة العالم،حيث اصبح العالم واحدا ، وكي نكون موضوعيين من بين مفاراقات العولمة انها لا تتحق الا من خلال تجزئة العالم الى كتلتين : الاولى متقدمة والثانية متخلفة ، بكل مايحمله هذا التقسيم من تبعات ،على اي أدت العولمة الى صيرورة اتسمت بقوة دفعها نحو التماثل والتوحد، وهذا بطبيعة الحال لا يعني ان المجتمعات والتقافات لم تحرك ساكنا ،ووقفت مكتوفة الايدي ،بل كانت تبدي احيانا اشكالا من التمرد والمقاومة بحيث اعتبرت العولمة تهديدا لها، وبهذا سعت الى التمسك بأنماط السلوك والاستهلاك واشكال الحياة ، وفي خضم هذه التحولات التي عرفت اقطار العالم ، خصوصا في الدول النامية العربية الاسلامية، أدت العولمة وكل هذه التغيرات السياسية الاجتماعية والاقتصادية الى عملية إعادة بناء النظام القرابي والاسري ونظام الزواج، ومقابل هذا تتراجع بالتدريج تأثيرات عوامل القرابة والانتماء الاثني والديني، وكذا عامل الفضاء الجغرافي . وبالتالي فإن هذه التحولات ادت الى تغيرات عميقة في بنية المجتمع وفي نظمه الاساسية، وفي طبيعة العلاقات بحيث هيمنة المصالح والاعتبارات المادية على الابعاد الاخرى . جدلية الدين والدولة في المجتمعات العربية بين الدولة المدنية والدولة الدينية يحتضن النقاش حول شكل الدولة في العديد من الاقطار المسلمة ، مؤيدون الفكر الديني يؤكدوا ان لافرق بين الدين والدولة، فيما يطالب اصحاب التيار الليبرالي بضرورة فصل السياسي عن ما هو ديني. لا يوجد في الاسلام شكل للدولة او شكل لتنضيمها، ونصوص القرآن والسنة امامنا ، ليس فيها اي نص يعطي للدولة شكلا معينا او نظام معينا او صيغة يجب ان تكون عليها الدولة، وهذا مفهوم بحكم ان منطق الدولة ، هو منطق دنيوي اي تدبير حياتي وتدبير دنيوي لم يتدخل الدين فيه، حتى يدع الناس حسب ظروفهم حسب بيئتهم وابداعاتهم وحسب حاجياتهم الى شكل التنظيم ، فالتنظيم عادة للبشر يبدعون فيها كما يشاؤون بالتالي الدين لم يتدخل في هذا الامر، فضلا ان مفهوم الدولة في زمن بداية نزول الوحي او بداية الاسلام لم يكون معروفا، فلم يعرف اذن الا بعد قرون وعقود من الزمن في العصر الاموي تقريبا . العولمة وعلمانية الدولة دافع القدماء على فكرة الجنة في السماء ، ودافع الحداثيون والعلمانيون على فكرة الجنة في الارض ، وكما استبدلت جنة السماء بجنة الارض ، تم استبدال الله باخر جديد ، يحترم الحريات الفردية والاقليات الدينية والعرقية والجنسية. فالعلمانية اذن ليست الحادا وليست لادينية ايضا ،وليس موضوعها هو الله وانما المجتمع وشغلها الشاغل هو كيفية ادارة وتنظيم ” المدينة ” ، بالتالي العلمانية ليست معتقدا بل هي مجرد مبدأ او مجموعة من المبادئ : حيادية الدولة فيما يتعلق بالدين او الميتافيزيقا بصفة عامة ، استقلاليتها عن الكنيسة والعكس ، اي استقلالية الكنيسة عنها ، حرية المعتقد والضمير ، حرية الانتقاد والمراجعة الفكرية ، غياب اي ديانة رسمية ، غياب اي فلسفة رسمية ، وبالتالي الحق لكل فرد في ممارسة الديانة التي تروقه او عدم ممارسة اي واحدة ،اذن يمكن تلخيص الامر برمته في ثلاثة كلمات : الحيادية – الاستقلالية – الحرية ضمن هذا السياق يقول ارون ليستيغر عن نفسه بانه علماني وهولا يريد ان تتدخل الدولة في شؤون الكنيسة، ولا ان تتدخل الكنيسة في شؤون الدولة ، ” اعطو اذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله ” ان انتصار العلمانية هذا ليس هزيمة للكنيسة بل انه انتصار مشترك للعقول الحرة والمتسامحة، العلمانية تمنحنا فرصة العيش معا رغم اختلافاتنا الكثيرة في الاراء والعقائد ، لهذا هي رائعة مفيدة منصفة وضرورية . كل مافي الامر ان الدولة لا تعاقب سوى التصرفات، لا النوايا والافكار، فقط في حالة ما اذا كانت هذه التصرفات مخالفة للقانون ، في دولة علمانية حقيقية لايوجد هناك ما يسمى بجريمة الرأي ،كل واحد يحق له ان يفكر كما يريد، وان يعتقد فيما يريد، كل واحد يجب ان يحاسب على افعاله،لا على افكاره ،على مايقوم به، لا على مايعتقد به. الحداثة وتقديس العقل العولمة والعلمانية والحداثة كلمات تكاذ ان تتلازم ،بحيث انها تتسم بخاصية مشتركة الا وهي تقديس العقل والعلوم ، على التقاليد والعقائد والعادات البالية . ان الحداثة وليدة التحولات الصناعية والفكرية والسياسية ، بحيث تجسد لنا صورة نسق اجتماعي متكامل ومنظم ،وتركزت في رقعة جغرافيا متقاربة (اوروبا) ، وتمثلت الحداثة اذن في نمط علاقات جديدة في مختلف البنيات الاجتماعية ،اي انقطاع تاريخي عن المراحل السابقة حيث تهيمن التقاليد والعقائد. يقول دانيال هيرفيو ليجي: مفهوم الحداثة يحمل في نفسه تعقد التقلبات التي افرزتها السيرورة التاريخية الطويلة انه يعني في آن واحد : واقع تقني/اقتصادي : بحيث يرى ريمون آرون ان ثمة تحديد يتناول الحداثة بوصفها عملية محققة تساعد على تنظيم الانتاج عقلانيا في سبيل انتاجية تبلغ حدها الاقصى ،بحيث صارت الطبيعة مجال تدخل البشر ، من خلال عمل مكثف وفعال ،اي تحويل البيئة الطبيعية هو في اساس تغيير شروط الحياة من جيل لاخر، فالبعد الاقتصادي والثقني يظهر اذن في الفكر الجديد حول الطبيعة من اجل تسخيرها لخدمة الانسان..ليس كما السابق كانت الطبيعة جزء منه ، بحيث كانت عبادة الشمس والشجر والحجر … فهذا الواقع اذن ساهم في تحول في شروط الحياة ومعدل الحياة ، في العهود القديمة كان لا يتجاوز ،40 سنة اما اليوم يتجاوز 70 سنة (تقريبا ) بعد قانوني/سياسي : تكمن الحداثة هنا في فصل بين الحياة العامة والحياة الخاصة، من جهة الدولة والقوانين ،ومن جهة اخرى الفرد وحرياته المحددة ،اذن الدولة هي فقط تجسيد للعقلانية وشرعيتها قانونية . حالة نفسية/ثقافية : “الحداثة النفسية ” تساعد الانسان على مراجعة نفسه كفرد والعمل على اكتساب هويته، ويلاحظ بودريار ان العصر الحديث يتميز بظهور الفرد بوعيه المستقل ونفسيته ونزاعاته الشخصية ومصلحته الخاصة وحتى لاوعيه واستلابه وخسارة هويته في العمل وفي وقت الفراغ. اذن ان تمييز الفرد في ابعاده النفسية والعاطفية جزء من سيرورة هدم الجماعات ( العائلة – القرية – المنطقة )،اي بمنطق الفرد اولا والفرد اخيرا ” الفردانية ” وظهور الهوية الجديدة. اذا ارتبطت الحداثة بالانوار ،حسب كانط خروج الانسان من حالة الوصاية التي تتمثل في عجزه عن استخدام فكره ،دون توجيه غيره، فان الحداثة وضعية اجتماعية وحضارية تجعل من العقل والعقلانية المبدأ الاساسي ،يعتمد في مجال الحياة الشخصية والاجتماعية ، يقتضي رفض جميع العقائد والتصورات واشكال التنظيم الاجتماعي التي لا تستند الى اسس عقلية. وتسجل الحداثة نفسها في هيمنة العقل وسيادته كمنطلق حقيقي للحداثة وعنصر مركزي، كما الايمان بالمعرفة العلمية وهي تتكامل مع اهمية العقل ودوره التنويري،والاجمل في ذلك ارادة انسانية حرة تسعى لهدم عالم الوصاية ، ولصنع مصير الانسان على مقياس ارادته، (اي يمكن ان اصنع مصيري بنفسي ،فهو ليس قدرا من جهة عليا…) ثورة اذن على العقل الكنيسي وقيم تقافية معينة، من اجل ان ينبثق الانسان ليقول لدي القدرة على صنع تاريخي ، وهندسة لحظات وجودي ابتكارا وابداعا. في اصل هذا التصور للزمن،بوصفه حركة انسانية واعية تتجلى فكرة التقدم الانساني وفكرة المصير الذي تقرره ارادة البشر. وختاما فان الحداثة هي موقف عقلي تجاه مسألة المعرفة وازاء المناهج التي يستخدمها العقل في التوصل الى معرفة ملموسة. اما التحديث عملية استيراد التقنية والمخترعات الحديثة ، قد توظف هذه التقنيات في الحياة الاجتماعية دون احداث اي تغيير عقلي وذهني للانسان من الكون والعالم بالضرورة ، اي ان الآلات بنفسها تتأثر بالسياق الذي تستعمل فيه.