اعتبر الأمير هشام، ابن عم الملك محمد السادس وابن خالة الأمير السعودي الوليد بن طلال، أن العائلة الملكية السعودية تعيش تحت “توتر عالي لأن ولي العهد بن سلمان خرق كل القوانين المكتوبة والأعراف والتقاليد المعمول بها”، مشيرا إلى أن جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي الجريمة ستلقي بثقلها على صورة ولي العهد والبلاد، وقد يؤدي ذلك في آخر المطاف إلى حل عنيف للوضع. وقال الأمير هشام في حوار مع صحيفة “القدس العربي” اللندنية، إن السعودية “وبعد المغامرات السابقة من حصار قطر وقضية ريتز كارلتون، تواجه الآن جريمة بشعة فيها تقطيع أطراف مواطن مسالم، وهو تصرف يخالف الدين الإسلامي والتقاليد المعمول بها وسط المجتمع السعودي”، لافتا إلى أن هذه الجريمة خلقت الرعب داخل البلاد، وأصبح الجميع متخوف من مصير مماثل. وأوضح الباحث في جامعة “هارفارد”، أن المساعي الأمريكية-السعودية لانتشال ولي العهد محمد بن سلمان من ملف قتل خاشقجي “ستعمّق من هذه المعضلة الهيكلية لاتخاذ القرار، لأنه سيحاول الحفاظ على استمراره وليا للعهد وليس فقط الاكتفاء بتوطيد سلطته نظرا لخطورة هذه الأزمة، كما لن تنفع التسويات الشكلية التي سيقدم عليها الملك لأن ولي العهد سيعتبرها تهديدا له”. وكان الأمير هشام قد حذر من مغامرات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في كتابات ومحاضرات له، وذلك رغم العلاقات القوية التي تجمعه بالعائلة الملكية السعودية حيث كان مقربا من الملكين عبد الله وسلمان، حيث يعتبر الوحيد ضمن العائلات الملكية في العالم العربي الذي كتب غداة اختفتاء الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول يوم 2 أكتوبر، واصفا العملية ب”الوحشية”، ومطالبا السلطات السعودية بالشفافية في التعاطي معها. ويرى المتحدث أن “النظام السعودي يواجه بسبب قتل خاشقجي ضغطا دوليا هائلا لم يخطر له على البال نهائيا ويتجاوز الضغط عليه في ملف اليمن، وما يجعل هذا الملف يأخذ قوته هو أن جمال خاشقجي مقيم في الولاياتالمتحدة ويعتبر صوتا إصلاحيا يدافع عن حرية التعبير وتحتضنه مؤسسة إعلامية كبيرة وهي الواشنطن بوست، ثم الطريقة البشعة التي قتل بها”. ولفت إلى أن هذا الملف “جعل الكثير من الأصوات الأمريكية ومن النظام السياسي الأمريكي والأوروبي تطالب بتوضيحات وعقوبات ضد المسؤولين عن الجريمة وعدم إفلات المتورطين من العقاب، خاصة أن الأمر يتعلق بجريمة وقعت علانية وسط قنصلية التي يفترض أنها مكان للأمان وليس جريمة اغتيال سرية في مكان سري". ويقول الأمير: "نعم هناك تعاون بين إدارة ترامب والعربية السعودية في محاولة انقاذ ولي العهد محمد بن سلمان من مسؤوليته في هذا الملف، لكن هذه العملية صعبة بحكم أن عملية الاغتيال معقدة لأنها جرت في تمثيلية دبلوماسية وتطلبت لوجستيكا ضخما شمل طائرات وفرق متعددة منها الفريق المنفذ للجريمة وتوظيف وزارة الخارجية”. وشدد على أنه “لا يمكن لكل هذا أن يحدث ويتم بدون ضوء أخضر واضح من أعلى هرم السلطة. ويبقى الأساسي هو رفض الأتراك وامتناعهم الدخول في استراتيجية ترامب-السعودية، ويعملون بذكاء على تقويض أي رواية أمريكية-سعودية تتستر على ما جرى من خلال تسريب ممنهج للمعطيات حول الجريمة". وتابع قوله: "ولي العهد أقدم على حرب اليمن ولم يتحرك المجتمع الدولي رغم الضحايا الذين سقطوا ومآسي المجاعة والتشرد والأوبئة، وقام بمحاصرة قطر ولم تتحرك واشنطن، بل زادت في فترة في إشعال النزاع وكان هذا منعطفا خطيرا في العلاقات الدولية، ولاحقا أقدم على مغامرة اعتقال الأمراء ورجال الأعمال في واقعة ريتز كارلتون، وجرى تأويل الأمر بأنه مشكل داخلي وسط العائلة الملكية، لكن الذين قالوا بها لم يراعوا حقوق المواطنين وحقوق المحاكمة العادلة”. واعتبر الأمير هشام أن بن سلمان “لم يتردد في الدخول في نزاعات مع دول على خلفية حقوق الإنسان مثل السويد ثم ألمانيا ولاسيما حالة كندا، وجرى تجاهل الأزمة بدل معالجتها. لقد اعتقد محمد بن سلمان أنه يملك تفويضا أمريكيا مطلقا لاتخاذ القرارات التي تحلو له بدون رقيب ولا حسيب حتى وصلنا إلى قضية مقتل جمال خاشقجي". وأشار ابن عم الملك في حواره مع “القدس العربي” إلى أن الخروج من هذه الأزمة بسلام قد يشجع على مغامرات أكبر، مردفا بالقول: “في العمق نحن أمام معضلة هيكلية جديدة في صنع القرار في السعودية وفي كيفية تنفيذه"، حسب قوله. وحول دور الملك سلمان بن عبد العزيز في كل هذه التطورات، يقول الأمير هشام: "أنا متأكد أن الملك سلمان لم يكن على علم بكل معطيات الملف، واطلع عليها بعد زيارة الأمير خالد الفيصل إلى تركيا ولقائه بالرئيس طيب رجب أردوغان، وزاد وعيا بخطورة الوضع عندما زاره وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووضعه أمام الأمر الواقع". واستبعد الأمير وجود هيئات داخل السعودية يمكنها عزل محمد بن سلمان “لأنه تم القضاء على استقلالية القرار سواء في الجيش وجهاز الدولة عامة، بينما هيئة البيعة لم يعد لها أي وزن منذ عهد الملك الراحل عبد الله، ولعل من ضمن الأمثلة حول هشاشة هيئة البيعة هو أن الأمير خالد بن طلال الذي كان يمثل والده طلال في هيئة البيعة يوجد معتقلا منذ ستة أشهر بأمر من ولي العهد، بينما أعضاء آخرون يفضلون الانسحاب والصمت”. وأوضح بخصوص العائلة الملكية بالسعودية قائلا: "لقد تراجعت العلاقات الاجتماعية والثقة بين الأمراء، حيث لم تبق حتى فضاءات للتواصل كما كان في الماضي، وقد أقدم محمد بن سلمان على تفتيت النموذج القديم الذي كانت تقوم عليه هذه العلاقات، لكنه لم ينجح في تقديم نموذج بديل واقعي ومقنع حتى الآن". وأضاف: "وعليه القرار الأول والأخير يبقى في يد الملك سلمان لوحده، وأرجح محاولة الملك التخفيف من التوتر لخلق أجواء من الطمأنينة بخلق مراكز قوى مضادة وآليات للتوازن، لكن الوقت مر على مثل هذه التسويات، فلا ننسى أن الوصول الى الوضع الحالي هو نتاج التسويات الشكلية التي حدثت في الماضي". وحذّر الأمير قائلا: "إن تمكّنت السعودية من احتواء الأزمة، فالجريمة ستلقي بثقلها على صورة ولي العهد والبلاد، وبالتالي فإن كل هذا قد يؤدي في آخر المطاف إلى حل عنيف للوضع"، معتبرا أن التضحية بموظفين وضباط كبار سيجعل الأجهزة تفقد ثقتها في ولي العهد، وهذا أمر شائك، حسب قوله. وبخصوص مستقبل العلاقات السعودية-الأمريكية، يقول الأمير: "النخب الأمريكية الحاكمة تفضل الرهان على علاقات مؤسساتية مع آل سعود بدون محمد بن سلمان، وبدورها ستراهن النخب السعودية على علاقات مع المؤسسات الأمريكية بعد رئاسة ترامب"، على حد تعبيره. وكان الأمير هشام قد نشر مقالا في يناير 2018 في المجلة الفرنسية "نوفيل أوبسرفاتور" بعنوان "النزعة الاستبدادية الخطيرة لمحمد بن سلمان"، أبرز فيه أن "محمد بن سلمان يطبق سياسته الجديدة على الجميع باستثناء نفسه، وهو ما يفتح الباب على جميع أنواع التعسف، خاصة إذا علمنا أن التغييرات التي ينهجها تمارس في أجواء كلها خطورة". المصدر: حوار في “القدس العربي” – “العمق” بتصرف