لعل من أبسط الأمور التي نادت بها الأوطان الحرة أن تمنح للمواطن هي مجانية التعليم والضمان الصحي والحق في السكن ولكن حتى هذه أصبحت بلا شك مقابل ثمن بعدما انتشرت المدارس الأهلية الخصوصية بعد تردي مستويات المدارس الحكومية ومستواها التعليمي وكذلك فرض مبالغ مالية على الخدمات الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية رغم ان الدستور أقر بمجانيتها ولكن على ما يبدو ان الأزمة المالية التي اثرت بشكل واضح على المواطن وبدت تأثيراتها واضحة جدا بعد التقشف الكبير الذي طال كل القطاعات ولم يستثنى منها حتى الفقير بعد ان فرضت هذه الرسوم الإضافية على الخدمات الصحية وغيرها أجبرته على الانصياع وتسديدها مجبرا وهذا ما جعل التكهنات بان القادم سوف يكون أسوء، وهذا ما يبرهن على عدم دقة التخطيط في السنوات الماضية والتخبط الواضح في ايجاد الحلول للخروج من الأزمات و لاسيما الاقتصادية، مما يجعلنا نقف وقفة تأمل عن هذا الوطن. ما الوطن؟ ما الوطن حين تصبح فيه غريبا تخاف أن يصادفك الموت بين شوارعك التي تضيق يوما بعد يوما وتخنقنا كي لا يتبقى من الوطن غير ثلاثة أحرف لا دلالة لها. وما يتبقى من الوطن حين نغتصب في كل شيء في واضحة النهار على مرأى من الناس الذين ماتت فيهم الإنسانية وبدى لهم اغتصاب أبسط الحقوق عاديا كمشهد بورنوغرافي يتمتعون من خلاله مبررين تلك الممارسة بتلبية حاجات السوق الدولية أو مصلحة الوطن. متى كانت المطالبة بالحقوق والعيش الكريم أمرا يهدد سلامة الوطن؟ متى أصبحت أمة تتبنى في دستورها الإسلام لا تكفل للإنسان حق العيش الكريم وأين نحن من حقوق الإنسان في زمن أستبيح فيه الشرف والكرامة والنخوة. أي رجال وطن يقبلون أن تضيع حقوق مواطنيهم لمجرد أنهم نادوا بالحق والعيش الكريم … هل ما أرضعتكم أمهاتكم حليب الرجولة والعزة أم شربت مكانه الدل والاستكانة؟ … متى قبلت كيفما كانت رتبتك ومكانتك أن تكون ديوتا شيطانا أخرس ساكتا عن الحق بل حتى مهللا للظلم والعدوان … هل ما ولدتكم نساء طاهرات للعرض حافظات أم أنتم لقطاء لا همكم الوطن وأبناء الوطن؟ … متى ماتت الإنسانية وتبنيتم الوحشية مكانها، متى كان الخروج في الشوارع والشمس تحتل وسط السماء شبهة لنا … متى استضعفتم النساء وأنتم من رحمهن نفخت فيكم الحياة … فيا ليت أمهاتكم أجهضنكم ولم نرى وحوشا آدمية تنهش الوطن وتبيعه. طوبى لشعب لا يأبه إلا بنفسه ولا تطربه غير نغمات العلوة التي ينسى معها كل شيء … ماذا يتبقى من الوطن حين يغيب الأمان ونصبح مواطنين من درجة ثالثة لا كرامة لهم ولا أي شيء … لنعود مائة سنة إلى الوراء … لابد أن نعيد النظر في التعليم والسياسة وحتى الدين الذي يستعملونه كي يبرروا جرائمهم، لا تبنوا المساجد والناس جياع …جياع للأخلاق والمبادئ الإنسانية… ابنوا أجساد قلوب أتعبتها الحاجة والجهل … لا تبنوا لله قبلة واحدة بل اجعلوا له في كل إنسان معبد … فأينها وليتم وجهكم وجدتم الله متجسدا في أبهى حلقه … هو الله حي في وفيك وفي كل الناس … لعلنا بالحب نعيش ونموت ولا نقتل ونغتصب …