ليس من العجيب أن ” ينزل الحوار منزلة الحقيقة، وإذا نزل الخلاق منزلة الداء الذي يفرق، فإن الحوار ينزل منزلة الدواء الذي يشفي منه”. (طه عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل). يتم التفاعل داخل جماعة القسم عبر مجموعة من القنوات التواصلية، منها ما يتعلق بالجانب الصوتي، ومنها ما يرتبط بالمستوى السمعي، ومنها ما يمر عبر المرئي-البصري، ومنها ما هو رمزي، وتتداخل هذه المستويات لتسهيل عملية إدراك المتعلم للرسائل التربوية عامة، وما تحتويه هذه الرسائل منمعارفوقيم. لا مراء أن استعمال المدرس لهذه الوسائط رغم اختلافها، راجع بالأساس إلى إدراكه للفروق الحاصلة بين المتعلمين، فقد خلصت الدراسات التربوية إلى أن التلاميذ ليسوا وحدة متساوية من حيت الإدراك المعرفي، ذلك أن توظيف القوى العقلية والمدركات الحسية يختلف من تلميذ لأخر. ترتيبا على ما سبق سنحاول في هذه المحاولة؛ أن نسلط الضوء على الحوار وأهميته في تطوير العملية التعليمية-التعلمية، لما له من أثر إيجابي في تجاوز الكثير من الصعوبات التي تمنعتحقيق الغايات التربوية الموكلة للمدرسة.مؤملا في الوقت نفسه أن تساهم محاولة الفهم هذه في دفع الأطر التربوية لاعتماد الحوار أثناء الممارسة الصفيةوإعطائه أهمية كبرى كنمط بيداغوجي فعال. لا مراء في أن الحقل التربوي في مغرب اليوم أصبح مسكونا ببعض الظواهر السلبية لعل أبرزها ظاهرة “العنف” المنتشرة في واقعنا التعليمي بشكل غير مسبوق لأسباب عديدة لداعي لذكرها. وفي ظل هذا الوضع وغيره من التحديات، نرى أن الدواء الحقيقي لتجاوز هكذا معضلات التي ساهمت في تحطيم صورة المدرسة النموذجية في المخيال الاجتماعي للمغاربة، (الدواء) هو إشاعة ثقافة الحوار داخل المؤسسات التعلمية واعتماده أثناء الممارسة التربوية. ذلك أن الحوار “يسهم في توسيع العقل وتعميق مداركه بما لا يوسعه ولا يعمقه النظر الذي لا حوار معه” (طه عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل). كما أن الحوار مدرسيا يساهم في فهم المحددات النفسية والاجتماعية للمتعلم والعمل على التوافقات السوسيومعرفية من أجل ادماجه في العملية التعلمية-التعلمية، دون الانخراط في صراع عضلي لا يتناسب والدور الأساسي للمدرسة كفضاء مفعم بالحياة يسعى لبناء الإنسان وغرس القيم النبيلة والتشبع بالأخلاق، لا فضاء لنشر السلبي واليأس في نفوس المتعلمين. في الأخير نستطيع القول إن كانت الساحة التربوية-التعليمية تعاني من اختلالات تعيق تطورها، فإن الأمر يتطلب الاستئناس بالممارسة الحوارية بين جميع الأطراف المتدخلة في الفعل التربوي، وذلك باتباع قيادة ديمقراطية في كل التفاعلات البيداغوجية لكونها النموذج الأمثل للتعامل مع المتعلمين داخل الفضاء المدرسي.