كثر الحديث ولازال على مدى سنين قد خلت عن واقع التعليم بالمغرب، بين تعدد الإصلاحات وتوحد الفشل بالرجوع إلى تقييم وضع التعليم بالمغرب من طرف منظمة "اليونيسكو" التابعة للأمم المتحدة، بحيث حذرت في تقريرها لرصد التعليم لعام 2016 من أن المغرب لن يتمكن من تحقيق أهدافه الخاصة بشأن التعليم قبل 50 عاما تقريبا، مؤكدة أنه في حال تبني البلد لنفس السياسات الحالية، فإن تعميم إتمام التعليم الابتدائي لن يتحقق قبل سنة 2065. وعليه قد صنفتنا "اليونيسكو" في مراتب متأخرة في لائحة البلدان التي تتوفر على أحسن المدارس، إذ احتل المغرب المركز 73 من أصل 76 بلد شمله الإحصاء. وعلى الرغم من الدعم السخي المقدم للتعليم المغربي من قبل دول أجنبية، والمقدر وفق تقرير اليونيسكو ب 162 مليون دولار أمريكي على الأقل، والذي يستهدف بالأساس محاربة الهدر المدرسي ودعم التمدرس، إلا أن تلك الأموال لم تجد طريقها بشكل أوسع نحو الفئات المستهدفة. بل وجدت طريقها إلى جيوب الوزراء ومدراء الأكاديميات والمدراس وقس على ذلك، لن يحز في نفسهم أن يصلحوا تعليمنا بل جعله يتبوأ مكانة متأخرة لكي نطلب الدعم دائما صدقة جارية لملء الجيوب وإفراغ العقول. لقد بات قطاع التربية والتعليم مثل فأر التجارب الذي نجرب فيه كل سنة مصل جديد ننتظر شفاءه لكن مع الأسف الموت بمنتصف الطريق، بحيث شكلت طرق التدريس المعتمدة في المدارس، أس المعضلات، فبحسب ما صرح به الأنثربولوجي والباحث اللغوي "جيلبرت غرانغيوم" لصحيفة "لوموند" الفرنسية فإنه" على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين منهجية التدريس بالمغرب، إلا انها لا تزال تعتمد على الحفظ والتكرار وتكريس السلطة، أكثر من اعتمادها على الاكتشاف وإعمال العقل لدى المتعلمين”. فهذه السنة ليست ككل السنوات من حيث البرنامج التدريسي فيما يخص مقررات الدراسة بحيث هذا العام، عملت الوزارة إلى خلط اللغة العربية مع اللهجة العامية “الدارجة”، دروس “البطبوط والبغرير والغريبة..” عن أي مردود سنتحدث في ظل هاته السياسة التعليمية الفاشلة؟ لقد أعرب المغاربة عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن استيائهم للمستوى المتردي للتعليم، وعن إدراج مثل هذه الدروس مع نقاشات محمومة دفعهم إلى وضع هاشتاغات وتدوينات تنادي بتعليم عمومي ذو جودة عالية تفي بالغرض الأساس للتكوين الجيد الطامح لخلق تلميذ الغد المبدع الموهوب. إن هذا الفساد الذي تجدر بالمسؤولين دفعهم إلى سن قوانين هادفة لتحطيم منظومة التعليم جملة وتفصيلا سواء من حيث التوظيفات أو التكوينات، فنحن دائما ما نرفق أي سقوط لمنظومة التعليم بالمثل الشعبي القائل “طاحت الصمعة علقوا الحجام”، من خلال إرجاع تدني المستوى التعليمي للمعلم والأستاذ أولا وأخيرا وأن فشل المنظومة التعليمية بعيدة كل البعد عن واضعي المواثيق والقوانين والمقررات…. فالمؤكد أن الفساد متجذر في القطاع ولائحة مظاهره طويلة لا تنتهي ويمكن إرجاعها للأسباب والعوامل التالية: 1. عدم توفر العديد من المسؤولين على مواصفات القيادة وبقائهم لمدة طويلة في المؤسسات التي يشرفون عليها مما يؤدي إلى نمو شبكة المصالح. 2. غياب المساءلة والمحاسبة وضعف الرقابة وعدم وجود رادع قوي ضد الفاسدين، وعدم الجدية في تطبيق القانون. 3. انخفاض أجور ورواتب العاملين بالقطاع وغياب مبدئي الأمانة والشرف. 4. تلاشى الحدود بين الخطأ والصواب، بحيث أن الكثير مما يعد خرقا ولا شرعيا أصبح مباحًا، فالرشوة صارت هدية، والسمسرة أصبحت استشارة، وانتفاع الأبناء والأهل والأصدقاء صار حقًّا. ونهب المال العام أصبح مفخرة. 5. تحول مهنة الأستاذية من رسالة نبيلة تتبوأ بناء أجيال المستقبل إلى مجرد حرفة كباقي الحرف، وتحول التعليم الى مجرد سلعة. وتحول بعض الاساتذة الى سماسرة. 6. عدم الثقة في عدالة النظام التعليمي بسبب غياب المساواة وتكافؤ الفرص. 7. فشل اللامركزية في القطاع بسبب عدم أهلية الإدارات الجهوية والإقليمية للتعامل مع المسئوليات الجديدة. 8. تواطؤ النقابات الفاسدة مع الإدارة إذ تحولت من هيئات ذات قوة اقتراحية ورقابية إلى كائنات متورطة في السكوت على الفساد ومستفيدة من ريعه. (متفرغ نقابي يرقى باثر رجعي رغم عدم توفره على الشروط فيما الفئة التي ينتمي اليها والتي من المفروض ان يدافع عن حقها لازالت” تأكل العصا ” أمام الوزارة. هذا وبصفة عامة فإن الحديث عن فساد منظومة قطاع التعليم سواء من حيث البرمجة أو من حيث التدريس والتلقين لا يجب أن يتوقف عند حدود الممارسات الواضحة والمباشرة والتي يعاقب عليها القانون، ولكنه يجب أن يمتد إلى أثرها غير المباشر والذي يرتبط بالدور التربوي والتعليمي الذي تلعبه المؤسسة التعليمية والذي قد يجعل من المؤسسة التعليمية أحد أدوات إعادة إنتاج ثقافة الفساد. مع العلم أن ممارسة الفساد تنتشر من خلال مؤسسة أو فرد ذي مكانة لتكون وسيلة لإفساد الغير، كالمرض المعدي الذي ينتقل من المريض إلى السليم. لهذا وجب إعادة النظر في هذا القطاع الحساس والمهم الذي يعد العمود الفقري لنجاح الأمم، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وصحيا وفكريا وثقافيا…. فالذي لا يثق بمستويات تعليم بلاده لا خير فيه.