ظل الفكر الاقتصادي ردحا من الزمن وهو يعتبر المستهلك الحلقة الأضعف في أية عملية اقتصادية، لذا ظلت الدولة منذ فجر هذا الفكر وهي تدعم المنتجين والمستثمرين دعما كاملا، على اعتبار أنهم قاطرة التنمية والمصدر المباشر للتشغيل والسلع، أما المستهلك فهو مجرد منتفع، يبحث عن السلعة التي تتلاءم مع رغباته وقدراته المادية. وهذا الدعم لم يأتي فقط من جانب هذا البعد الاقتصادي وانما جاء أيضا من قرب هذه الفئة من دوائر القرار والسلطة ، على مدار التاريخ... بالرغم من ذلك فإن هذه السياسة جرت دولا عتيدة من القرن الثامن عشر الى اليوم الى الافلاس وهي اقتصادات سارت مسارا واحدا من أفلاطون الى الإكويني واقتصاد العولمة .. أي الإغراق في دعم المنتجين .. لست أدري لماذا الإصرار على جعل هذه المعادلة أحادية بالرغم من أن لها طرفين أساسين المنتج والمستهلك، فكما لا يتصور استهلاك بدون انتاج فكذلك لا يمكن تصور إنتاج بدون استهلاك، السياسة الحقيقة هي التي توازن بين طرفي المعادلة كما قال مالك بن نبي رحمه الله عندما قلب النظرية من أساسها وجعل المحور الأساس في أي نشاط اقتصادي هو المستهلك لأنه هو المحرك الجوهري للاقتصاد وليس فقط المنتجين والمستثمرين.. لذا جاءت الدول الحديثة والنامية منها خصوصا بتخصيص الطبقة المستهلكة بدعم خاص سواء بطريق مباشرة او غير مباشرة، وإن كان الدعم غير المباشر هو الأكبر والأهم، لكنه يمر للأسف عبر المنتجين والمستثمرين في إشكال متعددة: دعم الإنتاج والخفض من الضرائب وتسهيلات الاقتناء والإداء بهدف إيصال السلعة إلى المستهلك بثمن في المتناول .. لهذا يجب التنبيه الى ان الدعم الموجه الى المنتجين والمستثمرين في الأصل موجه أساسا الى الطبقة المستهلكة من خلال احتساب دعم الدولة في بيانات الثمن عند البيع .. فقنينة الماء المغربية التي تباع في أوروبا بثلاثة دراهم ليس اعتباطا، اذ انها مدعمة من طرف الدولة بميزانية خاصة تتعلق بدعم السلع الموجهة الى التصدير، وللاسف نرى المستهلك الأوربي استفاد من هذا الدعم بطريق غير مباشرة من خلال تقليص ثمن القنينة. أما المواطن المغربي فإنه لا يستفيد من دعم الدولة غير المباشر، فهناك عدد من الأنشطة الاقتصادية مدعمة من طرف الدولة سواء دعم الإنتاج أو دعم استهلاك الطاقة أو دعم النقل أو دعم المخاطر التي يتعرض لها الانتاج والتوزيع، لكن المستهلك المغربي لا يستفيد من هذا الدعم فبعض الشركات تلهف الدعم الموجه بالأساس للمستهلك وتعتبره دعما خاصا لها .. ثم تستفيد من سعر السوق .. فهي تربح مرتين ... ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح المستهلك القوة الاقتصادية الاولى وليس المنتج، إذ لم يعد صاحب منفعة يصرفها بحسب الإمكان فحسب وإنما صاحب قرار اقتصادي.. وحتى لا نغرق النقاش في مشكلة التسعير والتسقيف وغلاء الأسعار رغم اهمية كل ذلك لان المستهلك اليوم لا يقصد الاعتراض على الأسعار برغم انها عنصر أساس في المشكلة وإنما يتساءل ابن ذهب الدعم الموجه اليه عبر دعم الإنتاج لماذا لا يجد له أثرا في أثمان، لأن هذا هو قصد الحكومة من الدعم في الأصل، والقصد شرط كما يقال ... وإذا سقط الشرط سقط المشروط .. فالدولة خصصت دعما للطلبة فوصلهم .. ودعما للأرامل فوصلهم .. ودعما للأسر في وضعية هشة فوصلهم.. وغيرهم كثير ...لكن الدعم الموجه الى المستهلك عبر المنتجين لماذا لم يصل اليهم، ولماذا لم يظهر له أثر في أسعار السلع. السؤال اليوم لا ينبغي أن يحصر في البحث عن خفض أسعار بعض السلع وإنما ينبغي أن يكون مناسبة للبحث عن مصير دعم الدولة المرصود في محافظ المنتجين لدعم الأثمان لماذا لم يظهر له اثر في السوق وعلى السلع وهذا ما قصده جلالة الملك حفظه الله عندما أكد ان الثروة لا يستفيد منها عموم المغاربة، بمعنى أن الثروة موجودة ومتداولة لكن لا تصل إلى الفقير والمحتاج وإلى الطبقات الضعيفة في البلاد. لذا وجب اعادة تركيب النقاش من جديد وإعادة ترتيب أولوياته ليركز أولا وأساسا على افتحاص جل أنواع الدعم الذي تقدمه الدولة للمنتجين .. والتقصي عن وضعية الصناديق الخاصة به، بعد ذلك ستعدل الأسعار من تلقاء نفسها ..