الذين تابعوا مسلسل انتخاب رئيس مجلس النواب كانوا يمنون أنفسهم بحصول معجزة بعدم انتخاب السيد الحبيب المالكي رئيسا للمجلس .كما انه لم يسبق لسياسي مغربي أن نال ما ناله المالكي من تعليقات وانتقاد اغلبها ساخر والقليل منها فقط من امتدح الكفاءة العلمية للرجل . خاب آمل الكثيرين وخرج المسلسل الديمقراطي بحلقة جديدة تحت مسمى الكوكتيل الحزبي في أبهى صور التميز والإبداع المغربي ، وامتلأ الفضاء الأزرق بتكفير السياسة والأحزاب دون استثناء . وكان الأمل المتبقي لنسيان هذه "المهزلة" كما عبر عنها بعض المعلقين هو مباراة المغرب مع الكونغو الديموقراطية ولكن الأقدار شاءت أن ينهزم المنتخب المغربي بدوره فكان يوم الانهزامات بامتياز، يوم أطلق عليه البعض يوم "النكستان " نكسة الرياضة ونكسة السياسة .وبعيدا عن صوابية هذا الأمر من عدمه إلا أن هذان الحدثان يختزلان معاني ومواقف مهمة يجب على مدبري الشأن العام الوطني استحضارها وسرعة التجاوب معها لما لهما من ارتباط وثيق . فالحدث الرياضي القاري يكتسي أهمية قصوى في هذه اللحظة التاريخية والسياسية للمغرب، وإن كنا تعودنا على الخروج منه في الدور الأول رغم الإمكانات المادية والكفاءات الكروية التي يمتلكها المغرب ، كما أننا عاجزون أمام إيجاد الحلول الممكنة لتجاوز النكبات الرياضية . ومع قدوم كل مناسبة يحدونا الأمل الكبير باستعادة أمجاد الأجيال الذهبية (التيمومي و الظلمي وبودربالة والزاكي... )والقائمة طويلة لكن دون جدوى. اليوم ليس لدا القائمين على الشأن الرياضي الحق في الفشل في تجاوز الأدوار الأولى من التصفيات وذلك لان عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي مسلسل يجب أن يتم على جميع المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والرياضية أيضا ،فلا يعقل أن يكون للمغرب كل هذا الوزن الكبير على جميع المستويات ويبقى ضعيف على المستوى الرياضي .كما أن المعركة مع الخصوم وأعداء الوحدة الترابية يجب أن تلعب فيها الرياضة الدور الحيوي خاصة لما لهذه اللعبة من تأثير كبير على التعريف بالبلد ومقوماته السياسية والاقتصادية . فكأس إفريقيا معركة إعلامية ودعم قوي لملف العودة إلى الاتحاد الإفريقي والنجاح فيه سيعطي قوة وسيوفر عناصر دعم إضافية. والفشل لن تكون له أثار كبيرة لكن المغاربة لا يتحملون المزيد من النكبات الرياضية. و يبقى السؤال المطروح اليوم هل بالإمكان أن تساهم القضية الوطنية في تقريب وجهات نظر الفقراء السياسيين من اجل تجاوز نكبة السياسة الحزبية والتي هوت بالعمل الحزبي المغربي إلى الحضيض ، وأعطت صورة سيئة للأحزاب السياسية لدى المواطن البسيط وتحولت بذلك بعض الأحزاب إلى وكالات إدارية تسجدي رضا أصحاب الأموال وتضع القرار الحزبي تحت الطلب . قد يقول قائل أن السياسة هي اخذ وعطاء وتبادل مصالح وتقاسم المناصب ،صحيح ،لكن ذلك إذا تم وفق منهجية ديمقراطية و أخلاقية تحترم الإرادة الشعبية ونابعة من هياكل حزبية حقيقية . إن ما تم بالأمس من منح الاتحاد الاشتراكي ذي 14 مقعد رئاسة المؤسسة التشريعية هو بمثابة ذبح للشرعية الديمقراطية بالديمقراطية ،فيه تحدي كبير لأصوات المواطنين وهو محاولة لصنع أغلبية حكومية وفق المقاس ولفائدة القوى التي قادت مخطط الانقلاب الفاشلة ل08 أكتوبر. ليس هناك مشكل في انتخاب مرشح الاتحاد لرئاسة المجلس ، لكن في الطريقة التي تم بها الأمر .طريقة الاستجداء و"الطليب والرغيب" وصلت إلى أدنى درجة من الإذلال والبهدلة لحزب عتيد سقط في يد قيادة انتهازية بامتياز ، رفض الدخول إلى الحكومة من الباب ورفض رئاسة مجلس النواب وفق الأصول وفضل الحصول عليها من النافذة. لقد كان موقف حزب الاستقلال موقفا تاريخيا سيحسب للمتمرد حميد شباط في آخر أيامه على رأس الحزب وهو الذي ليس عنده ما يخسره، ولكنه على الأقل حفظ لحزب علال الفاسي كرامته وعدم مشاركته في مأتم ونكبة الديموقراطية. وكان للعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية موقف اضعف الإيمان، خاصة أن مسؤولية العدالة والتنمية كانت كبيرة في حال اتخاذ موقف غير التصويت بالورقة البيضاء ، أو تقديم مرشح أو الانسحاب ،لكون ذلك سيعطي رسائل سلبية للجهات المعنية وسيعقد الأمور أكثر ، و كان هو المعني بكل ما يجري والكثيرون ينتظرون الفرصة لاستغلالها لشن معركة ضد هذا الحزب تحت ذريعة معاداة المصلحة للعليا للوطن من خلال عرقلة هيكلة مجلس النواب والتصويت على اتفاقية العودة إلى الاتحاد الإفريقي ، لكن حكماء الحزب بلا شك فكروا في جميع الاحتمالات واهتدوا إلى اخف الأضرار حسب تعبير سعد الدين العثماني. أملنا أن يعود قطار الديموقراطية إلى سكته وان يعود الأسود إلى الزئير بميادين لبيروفيل لننسى يوم الرابع من يناير 2967.