ما تشهده العلاقات بين البلدين من توترات من حين لآخر هو أمر طبيعي وليس جديدا، ذلك أن قضية الصحراء وتفاعلاتها تؤثر على مستوى التعامل الدبلوماسي بين نواكشط والرباط خاصة، وأن موريتانيا تاريخيا تقع تحت الضغط الجزائري والمغربي من جهة؛ و المصالح الاستراتيجية الفرنسية والأمريكية ورؤيتها لملف قضية الصحراء. فيما يخص الأزمة التي خلقتها كلمة أمين عام حزب الاستقلال، فإنها لم تقم سوى بتحريك الأزمة الصامتة التي تعيشها العلاقات بين المغرب وجارته الجنوبية مورتانيا منذ مجيء الرئيس الحالي ولد عبد العزيز للسلطة واستقرار بعض معارضيها بالمغرب، مما اعتبره الرئيس المورتاني الحالي تدخلا في الشأن الداخلي، وهذا المنطق الدبلوماسي انعكس على تبادل السفراء بين البلدين؛ حيث أحجمت مورتانيا عن تعين سفير لها بالرباط منذ سنة 2012. فيما احتفظ المغرب بالسفير عبد الرحمن بن عمر، والذي توفي الأربعاء الماضي بعد حوالي ثلاثة عقود قضاها في مهمته بنواكشط. أما عن سبب تحرك المغرب بهذه الطريقة الدبلوماسية؛ فيمكن تلخيصه في الأمور الأساسية التالية: 1- المغرب وهو يسعى للعودة للمنظومة الإفريقية يريد من خلال علاقته بمورتانيا التأكيد على التزامه بميثاق الاتحاد الإفريقي الخاص بالحدود الموروثة عن الاستعمار، طبقا لضمانات القانون الدولي الخاص بالسيادة الوطنية للدول. وهو بذلك يستحضر معركته للانضمام للاتحاد الإفريقي بعد توزيع طلبه في هذا الشأن بشكل رسمي على دول الاتحاد. والمغرب كذلك في حاجة لتحسين العلاقات مع موريتانيا، وهو يخوض معركة، تجميد عضوية البوليزاريو داخل المنظمة الأفريقية. وقد تكلف رئيس الغابون، علي بونغو، بتقديم طلب التجميد نيابة عن 28 دولة هي: السنغال، ليبيا، بنين، بوركينا فاسو، بوروندي، ساحل العاج، جيبوتي، أريتيريا، زامبيا، السيشل، سيراليون، الصومال، السودان، الرأس الأخضر، جزر القمر، الكونغو، الغابون، غامبيا، غينيا الاستوائية، ليبيريا، جمهورية أفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ساوتومي، غانا، غينيا سوازيلاند، الطوغو، وغينيا بيساو. 2- المسعى الدبلوماسي المغربي يأخذ بعين الاعتبار التقارب الجزائري المورتاني طيلة سنة 2016 بعد تجاوز الجانبين لأزمة دبلوماسية حقيقية سنة 2015. ومن المتوقع أن يطرح رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران على الرئيس ولد عبد العزيز ضرورة تعيين السفراء لدى الجانبين في أسرع وقت ممكن. وفي هذا السياق تدخل محاولات المغرب مؤخرا لتهدئة الوضع على الحدود مع الجارة الجنوبية، وهو يطرح على مورتانيا ترتيبات للتنسيق على الحدود؛ مما يعني رغبته في تجاوز مشكلة التنقل بين الجانبين وتجاوز مشكل الكركرات، وما خلفته من تحركات عسكرية للبوليزاريو داخل التراب الموريتاني. 3- المغرب في حاجة ماسة لمورتانيا الجارة الجنوبية، لارتباطها المباشر ببعض مصالحه الإستراتيجية، ورؤيته الجديدة لعلاقات الرباط بإفريقيا الغربية ودول الساحل والصحراء. 4- يهدف المغرب من جراء سرعة التدخل تذويب مخاوف مورتانيا من المحور المغربي السنغالي، والذي تعتبره نواكشط مسا بمصالحها في المجال الاقتصادي والطاقي والأمني؛ خاصة وأن هذا المحور أخذ يتسع مع إعادة تشكيل التحالفات الجارية افريقيا والخاصة بالتكتلات داخل الاتحاد الإفريقي. 5- ومن هنا فالمغرب يريد استغلال هذه الأزمة لعرض تصوره ومعالجة سوء الفهم المتعلق بالمصالح العليا لمورتانيا وفي مقدمتها الطاقة، وضمان عدم اعتراض ولد عبد العزيز على مشروع أنبوب الغاز المغربي النيجري الذي وقعه الملك ورئيس نجيريا مؤخرا. يتضح مما سبق أن المكالمة الهاتفية لجلالة الملك، مع نظيره المورتاني ولد عبد العزيز، وكذا الزيارة التي يقوم بها اليوم رئيس الحكومة المعين بنكيران؛ هي تعبير عن رغبة وحاجة مغربية، لتحسين العلاقات مع مورتانيا وضمان مصالحهما المشتركة. وأن هذا السلوك الدبلوماسي يتوافق والمصالح المغربية، والأهداف الجديدة لسياسته الخارجية التي تعتمد على العودة للاتحاد الإفريقي والعمل من داخله، على بناء تحالف إقليمي وقاري استراتيجي مصلحي، يحمي وحدة المغرب الترابية، ويلتزم بسيادة الدول.