يستمر الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، في إرسال إشارات سلبية إلى المغرب، من خلال توالي استقباله لقيادات في جبهة البوليساريو الانفصالية، وهو ما اعتبره مراقبون إحالة على علاقات ثنائية تبدو متينة بين الجارة الجنوبية للمملكة والجبهة الانفصالية، خصوصا في عهد الرئيس الحالي لموريتانيا. واستقبل محمد ولد عبد العزيز، بالقصر الرئاسي في العاصمة نواكشوط، أمس الخميس، امحمد خداد، "المنسق الصحراوي" مع بعثة المينورسو عضو ما يسمى الأمانة العامة لجبهة البوليساريو؛ حيث سلمه رسالة من زعيم الجبهة، إبراهيم غالي، تتعلق بآخر التطورات بخصوص الصحراء. وقبل لقائه خداد، عقد الرئيس الموريتاني جلسة عمل في الواحد والعشرين من مارس الماضي مع القيادي في الجبهة الانفصالية البشير مصطفى السيد، كما أنه بادر، في نونبر الفائت، إلى الاتصال هاتفيا بمحمد عبد العزيز، الزعيم الراحل للجبهة، وذلك في الوقت الذي كان فيه الملك محمد السادس يزور الأقاليم الصحراوية. تجليات التوتر ومن أبرز تجليات العلاقات المتوترة بين المغرب وموريتانيا واقعة رفع وحدات تابعة لجيش الجارة الجنوبية للمملكة علمها الوطني في منطقة الكويرة، الواقعة تحت السيادة المغربية، والتي تعتبر بمثابة رمز استكمال المملكة لوحدتها الترابية، الشيء الذي أجج الوضع بين البلدين. وخشية أن يستغل البوليساريو هذه السابقة ويتغلغل في المنطقة، أرسلت السلطات المغربية وفداً رفيع المستوى بشكل فوري، يوم 12 دجنبر الماضي، إلى العاصمة نواكشوط؛ حيث طلب توضيحات حول حيثيات ودوافع رفع العلم الموريتاني فوق المنطقة. ويقرأ المستشار الدبلوماسي الخبير في ملف الصحراء، الدكتور سمير بنيس، ضمن حديث مع هسبريس، تلك الخطوة الموريتانية على أنها مبادرة غير مسبوقة منذ استرجاع المغرب لهذه المنطقة الصحراوية، كما أنها تعد بمثابة رسالة قوية تبين مدى التباعد الحاصل بين قادة البلدين. واعتبر بنيس رفع العلم الموريتاني في الكويرة أكبر دليل على التدهور التدريجي للعلاقات بين البلدين منذ وصول ولد عبد العزيز إلى الحكم عام 2009؛ إذ بدأت بوادر هذا التوتر بعد أقل من سنتين من وصوله إلى السلطة، وصار يبدي تعاطفاً واضحاً مع البوليساريو، وتقارباً تدريجياً مع الجزائر. الخبير ذاته سجل "توالي تواصل الرئيس الموريتاني مع قيادة البوليساريو، واستقباله المنتظم لبعض قيادييها"، مشيرا إلى أن بعض تلك الاجتماعات جاءت في أوج الأزمة الدبلوماسية بين الرباط والأمانة العامة للأمم المتحدة، عقب تصريحات بان كي مون التي وصف فيها تواجد المغرب في الصحراء "بالاحتلال". "انتقام شخصي" وما يزيد من توتر العلاقات بين البلدين، يضيف بنيس، هو أن الرئيس ولد عبد العزيز بدأ يعطيها بعداً شخصياً بغض النظر عن الأهمية الإستراتيجية لعلاقات بلاده مع الرباط، بدليل أن منصب سفير موريتانيا لدى المغرب لا يزال شاغراً منذ قرابة خمس سنوات، بل إن السلطات الموريتانية قللت من وجودها الدبلوماسي في المغرب إلى أضعف مستوى. بنيس عزا تصعيد الرئيس الموريتاني حيال المغرب إلى "امتعاضه من عدم إدراج المغرب لموريتانيا في الإستراتيجية التي تبناها الملك محمد السادس خلال عشر سنوات الماضية لتعزيز حضوره الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء، وتنويع شركائه؛ حيث لم يزر العاهل المغربي نواكشوط خلال كل الزيارات التي قام بها إلى العديد من دول غرب إفريقيا. وبغض النظر عن مدى تأثير عدم زيارة الملك إلى موريتانيا على العلاقات بين البلدين، يرى المحلل ذاته أن "الرئيس الموريتاني له قناعات وتوجهات سياسية لا تتماشى مع المواقف المغربية، ولا تنظر إلى المغرب بمثابة الحليف الاستراتيجي"، مضيفا أن "التحركات التي قام بها محمد ولد عبد العزيز خير دليل على نيته في التصعيد مع المغرب". وأوضح بنيس أنه "رغم الجهود التي بذلها المغرب لإبداء حسن النية من أجل إرجاع الأمور إلى نصابها، إلا أن السلطات الموريتانية لا زالت متماديةً في تصعيدها مع المغرب"، ومن ذلك إقدام موريتانيا على "منع دخول شاحنات نقل المنتجات الفلاحية إلى أراضيها ورفضها تجديد بطاقة الإقامة لبعض الأطر المغربية". وخلص الخبير ذاته إلى أنه "في ظل تواجد الرئيس محمد ولد عبد العزيز على رأس الدولة في موريتانيا، تكون نواكشوط قد اختارت توجها سياسيا لا يعتبر الحفاظ على علاقات متميزة مع المغرب من صميم أولوياتها، بل تعطي الأولوية لتوطيد علاقاتها مع الجزائر، ومع جبهة البوليساريو".