بعد اجهاض مسار الانتقال الديموقراطي ببلادنا وما تلاه من انخراط موجه في حركيّة ما سمي بالربيع العربي وما أفرزته من توافقات دستورية ومؤسساتية أعطبت هذه الحركية الشعبية وأجلتها فقط ، دون الإجابة العميقة عما يٌعتمل في الوعي الجمعي الجماهيري وتمظهراته على ارض الواقع ، وبعد اقتناع أوسع شرائح المجتمع المغربي بمحاولات وأد طموحاتها المشروعة في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والاقتسام السليم للثروة الوطنية ؛ برزت حركات احتجاجية في غفلة من المتوافقين ، تجاوزت كل التجارب النضالية السابقة ، وتبرأ بعضها من الارث الكفاحي اليساري بل اعتبرت طرق مجابهتها وقبولها ببعض الحلول جزء مساهم في انتاج الأزمة الحالية ووصولنا الى الوضع الحالي. بعد كل هذا وبفعل صدمة بعض القوى اليسارية الجذرية منها والمهادنة ، ارتكن اغلبها الى التفرغ لإعادة تقييم ادائها محاولة استيعاب الصدمة ، في حين حاول بعضها فاشلا لعب دور الوساطة بين الدولة والحركات الاحتجاجية ، لتخلص في الأخير أن فقدان مصداقيتها اضحى مزدوجا ، فلا نشطاء الحراكات الشعبية وثقت بها بعد تكرار خداعات ولا الدولة أعطتها حجمها المتعارف عليه في تجارب حكم تاريخية ..؛ نلاحظ في الآونة الاخيرة عودة بعض الفاعلين السياسيين وبعض المثقفين ولو بشكل فردي ومحتشم الى معانقة طموحات الحركات الاحتجاجية بل وتبرير أسباب قيامها والدفاع عن مطالبها المشروعة ، في محاولة للتصالح مع واقع الحاضر بعد استشعار خطورة الأوضاع ، مستميتة في تحليل يربط هذا الحاضر بالماضي على الأقل في شقه الإيجابي الممجد لكفاحات الحركات والأحزاب اليسارية واعتبار الحركات الاحتجاجية الراهنة استمرار لتجاربها السابقة بل نتاج تراكم نضالاتها المستمرة، محاولة بذلك رسم موضع قدم في المشهد السياسي الجماهيري وما قد يأتي به من تغييرات ربما غير مألوفة في نظم توجهاتها السابقة. فهل يمكن اعتبار هذا صحوة حقيقية لبعض النخب السياسية والمثقفة ام انها فقط محاولة للركض وراء حركات اجتماعية قد تعيد لها شيء من المصداقية امام أوسع فئات الشعب ..