سارع المغرب و الإتحاد الأوربي مباشرة بعد القرار المفاجئ و المقلق لمحكمة العدل الأوربية، إلى إرسال إشارات طمأنة من خلال بلاغ مشترك موقع من طرف السيد وزير الشؤون الخارجية و التعاون الدولي، ذ. ناصر بوريطة. و الممثلة العليا للشؤون الخارجية و السياسة الأمنية للاتحاد الأوربي، السيدة فرديريكا موغريني. حيث أكدا أنهما اتفقا على مواصلة تعزيز حوارهما السياسي و الحفاظ على آستقرار علاقتهما التجارية. رغم إيجابية مضامين هذا البلاغ المشترك، حيث يشكل خطوة تكتيكية هامة جدا، و يظهر الانسجام الحاصل بين المغرب و مؤسسات الإتحاد الأوربي التنفيذية. إلا أن تفكيك حيثيات قرار محكمة العدل الأوربية، و كذا التصريحات المستغربة للمدعي العام للمحكمة، "ملكيور واتيلير"، الذي طالب ببطلان اتفاق الصيد البحري مع المغرب بسبب الصحراء. بالإظافة إلى تحركات مشبوهة لعدة جهات على المستوى الدولي منذ مدة. هذا يدفعنا إلى طرح تساؤلات مقلقة حول الأهداف الحقيقية وراء هذه التحركات، و من له مصلحة في جر المغرب إلى معارك قانونية، و إسقاطه في فخ القانون الدولي؟ لمذا قبيل كل شهر أبريل من كل سنة، تطفو على السطح مشاكل حول القضية الوطنية للدولة المغربية، أو حول الاتفاقات التي تربطه بشركائه الاستراتيجيين؟ لمذا آختارت محكمة العدل الأوربية تاريخ 27 فبراير لإصدار هذا القرار، رغم أنه معلوم أنه يتزامن مع ذكرى تأسيس (جبهة الجمهورية العربية الصحراوية) المعروف "بالبوليزاريو"؟ هل يعقل أنه مجرد صدفة؟ ألا يعتبر آنحيازا واضحا؟ تجدر الإشارة، أن هذا القرار لا يلغي آتفاق الصيد البحري بين المغرب و الإتحاد الأوربي، فليس لمحكمة العدل سلطة على القرارات السيادية المغربية، بمعنى أن للمغرب الحق مع شريكه المفوضية الأوربية تكييف هذا القرار مع مراعاة المصالح المغربية و الأوربية. القرار الذي أفتى باسثتناء الأقاليم الصحراوية المغربية من آتفاقية الصيد البحري، هو آجتهاد قضائي أو آستشارة قدمتها محكمة العدل الأوربية بعد أن رفعت جمعية بريطانية متخصصة في استدعاء المغرب، دعوى قانونية ضد الحكومة البريطانية (وزارة الفلاحة و التغذية و الضرائب و الإرادات). حيث تساءل الحكومة البريطانية حول المشروعية أو المرجعية القانونية التي تتعامل من خلالها الدولة و الشركات البريطانية مع اتفاقية الصيد البحري مع المغرب. و بعد طلب المحكمة العليا البريطانية آستشارة من محكمة العدل الأوربية بخصوص هذه الدعوى، أصدرت هذه الأخيرة اجتهادها القضائي الغريب. إذن فهي نازلة بريطانية-بريطانية، أو أروبية-أروبية. كما أن اسم هذه الجمعية البريطانية (اسم يعادي الوحدة الترابية للمغرب)، و كذا العدد الكبير من نشطاء البوليزاريو الناشطين بها، يدل على أن القرار سياسي و ليس قانوني. يبدو جليا أن البوليزاريو بعد أن فقدت أية شرعية للترافع ضد المغرب داخل المحاكم الأوربية بسبب سابقة قضائية ضدها، لجئت الى تجنيد لوبيات المجتمع المدني بالدول الأوربية، الممول من طرف خصوم المغرب، و المدعوم من طرف رزمة من برلمانيي الإتحاد الأروبي (عددهم 20 تقريبا). الغريب أن هذا القرار أعتمد في مضامينه على حيثيات سياسية، و هذا مجال مناقشتها الأممالمتحدة و داخل مجلس الأمن. المطلع على حيثيات هذا القرار يلاحظ أنه اعتمد توصيفا سياسيا. بالتالي فالمحكمة تجاوزت ما هو مطلوب منها ‘ابداء رأي استشاري قانوني). و كان بالأحرى اعتماد فصول واضحة من القانون الدولي، لكي يتحلى بالمصداقية اللازمة. هذا القرار و كأنه اعتبر المغرب أن لا سلطة له على منطقة الصحراء و هذا مخالف لقرارات مجلس الأمن، بالخصوص قرار أبريل 2017 و كذا التقرير الذي قدمه السيد غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة الى مجلس الأمن. و هكذا فأبرز العيوب التي تشوب هذا القرار هو أن حيثياته تتناقض بشكل صارخ مع قرارات و أدبيات مجلس الأمن و الأممالمتحدة. كما يناقض رأي الإتحاد الأروبي، عندما اعترف أن الجزء الأكبر من عائدات الاتفاقية يتوجه الى الساكنة بمنطقة الصحراء. لكن، حسب مقتضيات القانون الدولي، هل يحق للمغرب استغلال الثروات الطبيعية بمنطقة الصحراء؟ رغم أن المملكة المغربية تعتبر الصحراء جزء من أراضيه، و مواطنيه هم مغاربة. الا أن الأممالمتحدة و منذ سنة 1963 كانت تصنف الأقاليم الصحراوية المغربية حسب الفصل 11 من ميثاق الأممالمتحدة. هذا الفصل الذي يحتوي على مادتين 73 و 74 . حيث ينصان على أن الأقاليم التي لا تتمتع بحكم ذاتي و تقوم دول بإدارتها الفعلية، هذه الأخيرة ملزمة بعدة معايير منها معاملة سكان هذه الأقاليم بقدم المساواة مع السكان الآخرين. و أن كل ما سيتحصل عليه من موارد من هذه الأقاليم، يجب أن يستفيد منه سكانها على نطاق واسع. سنة 2000، قرار مهم لمجلس الأمن، و الذي قرر نقل ملف الصحراء من الفصل 11 إلى الفصل 6 من ميثاق الأممالمتحدة المتعلق بحل الخلافات الدولية بالطرق السياسية. بمعنى أن مجلس الأمن تجاوز قضية تصفية الاستعمار و الاستفتاء. بالتالي، فمحكمة العدل الأوربية تجاوزت اختصاصاتها، فملف الصحراء المغربية مكانه هو أروقة الأممالمتحدة و مجلس الأمن، و لا يحق لأي مؤسسة إقليمية أخرى تجاوز هذا الاختصاص. قرار المحكمة الأوربية يناقض استشارات لكبار الخبراء القانونيين الدوليين، في هذا الصدد سأكتفي بذكر مثالين فقط، يكتسيان أهمية بالغةّ. – الاستشارة الأولى، و التي طلبها رئيس مجلس الأمن من مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالشؤون القانونية، السيد هانز كوريل. حيث طرح عليه سؤال (هل يحق للمغرب استغلال الثروات الطبيعية لمنطقة الصحراء؟). و الجواب كان (ليس هناك ما بمنع في القانون الدولي، بشرط الالتزام بالمعايير المحددة في الفصل 11 من ميثاق الأممالمتحدة). – الاستشارة الثانية، سنة 2009 طرح سؤال على المستشار القانوني للاتحاد الأروبي، (هل للبوليزاريو الحق في الترافع لوقف اتفاق الصيد البحري، و ما مدى مشروعية اشتغال الشركات بمنطقة الصحراء؟). الجواب كان واضحا و قويا، (البوليزاريو لا يحق لها رفع أي دعوى و لا تتوفر لها السلطة الفعلية لإدارة المنطقة الاقتصادية للصحراء). إذن فالمغرب يتوفر على تراكم قانوني مهم وجب استثماره. لعبة الكيان الانفصالي و الجهات الداعمة له مكشوفة. حيث هناك إرادة واضحة الى استنزاف المغرب قانونيا، و تحقيق تراكم قانوني يؤدي على المستوى البعيد (تحقيق المشروعية السياسية للبوليزاريو لتمثيل مواطني الصحراء و وقف كل الاتفاقات التجارية بين المغرب و شركائه). حتى يتسنى لهم اقتسام العائدات. و إذا كانت هذه أبرز المطامح للكيان الانفصالي، فما هي الأهداف الخفية للوبيات و الجهات الدولية الداعمة للبوليزاريو؟ يبدو جليا أن بروز المغرب كقوة اقتصادية و سياسية داخل الاتحاد الافريقي، أزعج قوى عالمية، فمعلوم أن هناك لوبيات بريطانية مالية نافذة متغلغلة في العديد من الدول الإفريقية، ربما ترى في النجاحات الاقتصادية للمغرب تهديدا لمصالحها. هذا على سبيل المثال فقط، بالإضافة الى أن المغرب يعد قوة اقتصادية في مجال الصيد البحري، حيث يرتقب أن تصدر المملكة المغربية أكثر من 3 مليارات أورو سنة 2020. هذا يعني أن المملكة الشريفة تعد قوة كبيرة في مجال انتاج الأسماك. نضيف أن المصالح الاقتصادية التي تربط المغرب بشركائه الأساسيين (فرنسا و اسبانيا)، تختلف عن مصالح بريطانيا داخل البحر الأبيض المتوسط. و المغرب هو بوابة المتوسطي الى افريقيا. جدير بالذكر أن هناك تحولات سياسية هامة تعرفها الساحة البريطانية في السنوات الأخيرة، منها صعود تيار من الراديكاليين داخل حزب العمال البريطاني. و منهم داعمين بارزين للكيان المعادي للوحدة الترابية. و باستحضارنا لكون مسلسل التحركات القانونية ضد المغرب بدأ بالمقترح الذي دفعت به الولاياتالمتحدةالأمريكية، بتوسيع صلاحيات المينورسو. أستطيع القول أن هناك هدفين غير معلنين من استراتيجية الاستنزاف القانوني ضد المغرب. 1- هناك إرادة من جهات عالمية، ألا ينجح المغرب اقتصاديا. أو على الأقل تحجيم نجاحاته و ضبطها ضمن حدود معينة يمكن التحكم فيها. 2- ضرب آستقرار المغرب و إغراقه في حالة من الفوضى. فقرار محكمة العدل الأوربية يشرعن بشكل غير مباشر للفوضى ضد المغرب. فهناك الآن بيانات من أعداء الوحدة الترابية لبواخر الاتحاد الأروبي تحذرهم من الصيد داخل المياه المغربية الجنوبية. و هذا تهديد مباشر للأمن القومي للدولة المغربية. هنا نستحضر عملية القرصنة التي قامت بها سابقا جنوب افريقيا ضد باخرة مغربية بذرائع قانونية و في مياه دولية. الدولة المغربية يمكنها أن تجتاز كل هذه التحديات، شرط أن تستثمر بذكاء الفرص المتاحة لها. الإتحاد الأروبي يحتاج الى المغرب كشريك استراتيجي سياسي، في مجالات حساسة مثل (الأمن، الهجرة، الإرهاب). بالتالي يستطيع المغرب أن يفرض قضاياه الاستراتيجية و الحيوية و يحسن التفاوض لفائدة مصالحه. يجب تحسين اتفاقية الصيد البحري مستقبلا على المستوى القانوني، بإضافة تعديلات أو بروتوكولات قانونية ملحقة بالاتفاقية حتى لا يتم استغلال هذا القرار مستقبلا من طرف أي جهة معادية. المغرب يجب أن يتخذ استراتيجية هجومية ضد خصومه، بالمبادرة الى رفع دعاوى قضائية داخل المحاكم الأوربية وغيرها. و يمكننا أن نستثمر جيش المنتخبين بالصحراء المغربية و الذين يتجاوز عددهم 4000 منتخب، لكي يكونوا أطرافا بدعاوى قضائية. الاتحاد الأوربي يدرك جيدا أنه بالإضافة الى بواخرها التي تصطاد بالمياه المغربية (معظمها اسبانية)، هناك أيضا البواخر الروسية و الصينية و اليابانية والكورية.. بالتالي لدى المغرب شركاء متنوعين. يجب عليه استثمار هذا التنوع و توسيعه أفقيا و عموديا. المغرب لديه مرجع قانوني بالغ الأهمية و هو التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة و قرار مجلس الأمن. و كليهما في صالح المغرب وجب حسن استثمارها. و تقوية فريق خبراء القانون الدولي المدافعين عن حقوق الدولة المغربية. يجب على المغرب الدفع بالحسم في مسألة ازدواجية ملف الصحراء داخل الأممالمتحدة، كيف يعقل أن يناقش ملف الصحراء داخل مجلس الأمن، و في نفس الوقت داخل اللجنة الرابعة بالأممالمتحدة. فإذا كان ملف الصحراء أحيل الى الفصل السادس فمجلس الأمن هو مكانه الطبيعي. أخيرا، يجب تقوية الجبهة الداخلية و التسريع بتفعيل الجهوية الموسعة. و تشكيل لوبي موازي من المجتمع المدني حريص على القضايا الوطنية لكي يتصدى لكل المناورات المستهدفة لوحدة المغرب و مصالحه داخل المؤسسات الدولية. *باحث في مجال العلاقات الدولية