محطة جديدة من محطات عرقلة مسار الإصلاح يشهدها المغرب في الآونة الأخيرة. محطة تم اختلاقها بعدما فشلت القوى المعادية للإنتقال الديمقراطي في إطفاء إشراقة الوعي المجتمعي، وردح المسار الإصلاحي الذي يخطوه البلد، والذي شكل استثناء على الصعيد الدولي كنموذج ناجح في التاريخ السياسي. نجحت الديمقراطية، ونجح الشعب المغربي في الاختيار. بل وكان لاعباً قوياً ومحترفا وسط حلبة الصراع الشرس بين الحراك الديمقراطي أو العملية الانتخابية الطبيعية، وبين منطق السلطوية والتي دخلت على الخط بشكل فاضح ومخز خلال الاستحقاقات التشريعية الأخيرة للسابع من أكتوبر. الشعب المغربي أبان عن وعي مجتمعي ناضج رغم كل الإيحاءات الفاشلة والتوجيهات السلطوية اللامشروعة. ورغم التضليل والتيئيس والترهيب والتخويف، إلا أنه استطاع أن يبرهن للعالم عن إرادته القوية ورغبته العميقة في مساندة وإتمام التجربة السابقة، تجربة الإصلاح في ظل الإستقرار. لكن، ومع كل ذلك، فإن العنصر أو العناصر المقاومة للإصلاح لازالت لم تستوعب المرحلة ولم تقرر الإرتقاء لمستوى الوعي الشعبي. بل وعلى العكس من ذلك، فقد تمادت في كسر وتحطيم إرادة الشعب، ضاربة عرض الحائط حساسية المرحلة وأهميتها في تنمية الوطن وارتقائه بخطى تابثة، وكذا استقراره. فبعد المعارك المتوالية من أجل انتخابات غير نزيهة باستخدام كل الوسائل الغير مشروعة، نصل اليوم إلى مستوى متقدم في مسار العرقلة بالمغرب، مستوى يكشف الحقائق ويعري الوجه الخفي للتحكم. نصل اليوم إلى تعطيل تشكيل الحكومة وقف كل المصالح العامة في رسالة واضحة للملك وللشعب ولكل متتبعي السياق الوطني، كون مصالح الأفراد المشكلة للتحكم والسلطوية بالمغرب أهم من تقدم البلد واستقراره، وأهم من نجاح الخيار الديمقراطي والمسار الإصلاحي. الشعب قال كلمته وأفرز حزب العدالة والتنمية على رأس باقي الأحزب السياسية الأخرى. اختار بوعي ورغبة عميقين إتمام ما بدأته الحكومة السابقة من إصلاحات جوهرية. وجلالة الملك ختم على الإرادة الشعبية وأيدها بتعيين الأستاذ عبد الاله بن كيران رئيسا للحكومة، في تطبيق سليم لمضامين الدستور. وصمود رئيس الحكومة في وجه الفساد والتحكم لازال مستمراً، رغم كل الابتزازات والمناورات البائسة التي تعترضه، والتي لازال بعضهم يتفنن في اختلاقها بشكل مستفز ومستصغر لطموح المغاربة وإرادتهم القوية، محاولين بذلك رد اللوم بأي شكل من الأشكال على قدرة عبد الاله بن كيران تشكيل حكومته ومسايرة الوضع. في حين نجد ذواتنا أمام جراثيم انتخابية وسلطوية فقدت شرعيتها التنافسية بتصرفاتها الغبية والميؤوس منها. فباتت يوماً بعد يوم تسير نحو الاختناق المحقق، ونحو مزبلة التاريخ السياسي المغربي.