مما لا شك فيه أن التحكم قد غير جلده ولم يعد بتلك الصورة البشعة التي تجعل الناس يشمئزون منه ويهربون منه، وبعدما خيب آمال الدولة العميقة التي أغدقت عليه الأموال الطائلة وأمدته بالنفود والجاه، مقابل خدمة يؤديها، وهي هزم حزب العدالة والتنمية في محطة انتخابية هي الأشد في تاريخ الانتخابات بالمغرب. بعد فشل الممثل الرئيسي للتحكم "حزب الأصالة والمعاصرة"، أدارت السلطوية وجهها مباشرة صوب فاعل جديد قديم، ولكنه هذه المرة بخصائص جديدة وبثوب رقيق ناعم يسهل الاقتراب منه ولمسه. هذا الفاعل الجديد أنيطت به أول ما أنيط به أبعاد زعيم شغل المغاربة بالسياسة، وهدد نفود قوى الاستكبار بالمملكة. الى حدود الآن هذا الفاعل نجح في مهمته بابعاد زعيم الحزب الأول من رئاسة الحكومة وابعاده فيما بعد من رئاسة حزبه، لكن شهية هذا الفاعل الجديد ممثلا في قائد البلوكاج الحكومي بدأت تكبر شيئا فشيئا، اذ سرعان ما انقلب على الأحزاب التي جعلها أدوات لعرقلة تشكيل الحكومة الأولى، اذ عبر عن رغبته في ضم حقيبة التعليم اضافة الى الصحة التي كانت من نصيب حزب على وشك أن يرمى خارج الأغلبية الحكومية حسب الأخبار غير السارة التي ترد من مطبخ المشاورات، أضف الى ذلك التنافس الانتخابي الشديد الذي دخل فيه لانتزاع مقعد سيدي افني من الاتحاد الاشتراكي رغم كونه هذا المقعد يعتبر مسألة حياة أو موت بالنسبة لهذا الحزب الذي يتهدده شبح الانقراض. ما يجب أن يعلمه الجميع أن الدولة بدأ ت في تصفية تركة حزب البام الممثل الأول للتحكم، الذي فشل في مهمته، وما الاستقالة الغامضة لزعيمهم وما تبعها من استقالة رئيسة مجلسهم الوطني والأخبار المتسربة من مطبخ الداخلية والتي تفيد بورود اسم الياس العماري وعدد من رؤساء جماعات تابعة للبام ضمن لائحة المسؤولين الذين تنتظرهم عقوبة العزل، أضف الى ذلك الهجرة الجماعية لرجال الأعمال صوب الحمامة الزرقاء، بعد أن كانوا إلى وقت قريب يتبركون بالجرار اللعين. كل ذلك مؤشر على انتهاء عهد البام وبداية زمن الأحرار الذي أخذ مشعل التحكم، ولكن هذه المرة بأدوات ناعمة كالسم الذي يدس في العسل ليشرب الناس سمهم جرعة.. جرعة دون أن يبدوا استياء أو حتى استنكارا. هذا هو حال حزب الأحرار وهذه حقيقة زعيمهم المظلي الذي يسابق الزمن لتنفيذ مهمته القذرة مستعجلا أمره بافتعال بلوكاج جديد وغير مفهوم بالمرة، فلا هو معني بالحقائب التي أعفي وزرائها، ولا الأحزاب المعنية تأخرت عن تقديم مقترحاتها كما طلب بذلك رئيس الحكومة، ولكن دخوله على خط المشاورات الجارية لترميم الأغلبية الحكومية، إنما الغرض منها انتزاع مزيد من التنازلات قد لا تنتهي إلا ببسط سيطرته على الحكومة أو الانتهاء إلى انتخابات سابقة لأوانها قد تقفز به إلى سدة الحكم.