هاك الخشب حضرة النجار المحترم و اصنع لنا مكتبا و مائدة، لكن إياك أن تستعمل آلة حادة، إياك و المطرقة، إياك و المسامير، و أنت أيها الأستاذ هاك تلميذا في منتهى الطيش اصنع لنا منه شابا خلوقا منضبطا عالما ، لكن لا تطرده، لا تعاقبه أو تهدده بالعقاب ، و حتى إن عاقبته عاقبه دون أن تعاقبه، إن فجر قنبلة يدوية الصنع في القسم يا أستاذي أحله على المجلس التأديبي الموقر و سيتخذ في حقه أجمل العقوبات، سيتوجه به إلى حدائق المؤسسة ليغرس أشجارا و يسقي أزهارا ، فما أجملها بالفعل و ما أحلاها من عقوبة: " يا ليتني كنت أنا ذلك التلميذ فإني أعشق رائحة التراب وإني أعشق كل أشغال البستنة..." هكذا إذن يريدون فصولنا الدراسية حلبة للصراع و منصة مفتوحة للرقص و الغناء، وهي نعم ثم هي نعم كذلك إن طبق الأستاذ تلك القوانين المجرمة بحق التلاميذ، و المدللة لهم باسم حقوق الطفل و باسم ظروف المراهقة و باسم محاربة الهدر المدرسي، فما تبقى للمدرس من دور أمام هذا الوضع البئيس كما قال أحد المسؤولين هو حراسة التلاميذ لا تدريسهم : "نحن لم نقل لكم درسوهم فقط احرسوهم حتى تنتهي الحصة"، المهم أنهم يدخلون ويخرجون سليمين جسديا ، المهم أن نحقق نسب نجاح أعلى و نسب تمدرس أعلى ليرضى عنا سيدنا البنك الدولي، المهم أن يتحول القسم إلى قطار فيه الحداد و فيه التاجر و فيه النجار و فيه “الشمكار” ، فالكل سيصل بسلام و سيستلم في نهاية المطاف خرقة الكرتون بالعقل أو بالنقل أو بالجنون ، الكل سيأخذ ، الكل سينجح ، هي إذن للجميع مدرسة حلوة للنجاح... كلا ثم كلا ، عن أي نجاح هم يتحدثون و الأبناء في فصولنا غير مطمئنون، ومستوى التلاميذ في تراجع عاما بعد عام ، صارت جل الأقسام ساحة مفتوحة لمختلف أشكال الفوضى و الجنون ، و الأساتذة صاروا فقط على انضباط التلميذ يراهنون، و كأنهم للأمن والأمان يتسولون ، فبعد أن كان التلميذ المجتهد في الثمانينات و التسعينيات هو ذلك التلميذ الذي يخشع في كل تعلماته و يحضر كل أدواته و يحصل أعلى النقاط في كل الاختبارات شفاهية كانت أم كتابية ،انتقل مفهوم التلميذ المجتهد إلى إفادة دلالات أخطر فأخطر على منظومتنا التربوية ، إنه أصبح الآن حسب تصور الكثير من الأساتذة "هو ذلك التلميذ الذي لا يشاغب، و إنه غدا هو ذلك التلميذ الذي لا يضرب الأستاذ ، و إنه بعد غد هو ذلك التلميذ النجيب الذي لا يضرب أستاذه كثيرا إلا في بعض الأحيان و يراعي ألا يضربه للمناطق الحساسة من جسده... "، وهكذا لم يعد مع الوقت الانتقال بين المستويات يشكل هاجسا لدى الغالبية الساحقة من التلاميذ،إلى درجة يسلمون فيها بالنجاح الآتي الأكيد و لا يفتحون كتبهم ودفاترهم إلا نادرا ، وهذه بالطبع نتيجة كارثية طبيعية ماداموا يرون عاما بعد عاما كيف ينجح المستهترون والمشاغبون بكل سهولة و يسر، إلى أدرجة أن هناك من يقول : " يكفي أن أحارب الصفر و سأنجح بالتربية البدنية ...." إن المدرسة المطلوبة اليوم أيها المغنون بجودة التعليم هي مدرسة الحزم لا مدرسة النجاح الشكلي ، مدرسة حزم مع الجميع ، مع التلاميذ و الأساتذة و الآباء على حد سواء، حتى تتوفر الأرضية الضرورية الأولى لأية محاولة إصلاح تربوي، فلا كفايات يمكن التزين بها ومدارسنا متسخة بمختلف أنواع النفايات، و لا إدماج يمكن تطبيقه في جسد كله تلوث وأخماج ، إذن فتصفية الأجواء و تنقيتها هي الخطوة الأولى في اتجاه تطبيق نظريات تربوية مغربية ترمي إلى إصلاح تعليمنا العمومي و إنقاذه من أزمة الإفلاس، هذا بالطبع إن ناضل الشعب من أجل ذلك، لأن ما أصبح باديا هو أنه لا إرادة حقيقية لدى بعض الجهات الحاكمة من أجل إصلاح التعليم ، مادام أن هناك من مازال يؤمن بمقولات من قبيل “كلخ تسد” ومادامت لوبيات التعليم الخصوصي تمكر كل مكرها من أجل القضاء على مجانية التعليم. و إن من يقول أن المقاربة الزجرية غير كافية ، نقول له نعم ، و لكن لا بد من ترسانة قانونية رادعة تسيج حقل التدريس قبل البدء في أية أعمال تربوية إصلاحية ، ثم أن طرد تلميذ فوضوي واحد و إحالته على مراكز التكوين المهني أو ما شابه ، يجعلنا نربح النجاح الفعلي لمئات من التلاميذ ، كانوا سيتحولون إلى مستهترين أو مشاغبين أو ناجحين بالاسم فقط ، إن نحن لم نجعل أمامهم عبرة يعتبرون منها ، فمن أمن العقاب أساء الأدب و من أمن العقاب انتظر منه كل شيء و لو كان من أنجب النجباء ومن أتقى الأتقياء ، و هكذا فليس لنا إلا أن نتمرد على تلك الشفقة الإجرامية القاتلة ، و نؤمن جميعا بأن لنا في الزجر حياة و لنا في طرد واحد ربح للمئات و للمئات...