بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وآل بيته الطاهرين أما بعد: يقول الله تعالى في محكم تنزيله: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون" [التوبة:105]وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فيفعل"[رواه البخاري ومسلم]. لقد أصبحنا في زمننا هذا في حاجة ملحة إلى تجديد التوبة إلى الله تعالى في كل محطة نعرض فيها أعمالنا على الله عز وجل، توبة المؤمنين الصالحين من الغفلة والتهاون والخطأ " وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تتقون" [النور:31] وقد اخترت لكم من كلام الصالحين في هذا الموضوع رسائل تكتب بماء من ذهب للقائد الإمام المجدد الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى، كان هذا الرجل يلقيها على الشباب والطلاب في محافلهم ومؤتمراتهم، لكي يشحذ بها الهمم ويعمق بها الإيمان ويصوب بها الفكر والتصور حول الإسلام ومقاصده ومنهج التمكين له على أرض الواقع. وقد قمت باختيار هذه الباقة من الرسائل لأنها تتلاءم مع حال الشباب المسلم الذي يحمل مشعل المعرفة والدعوة والإصلاح، شباب رسالي واعد يشتغل على نصرة قضايا أمته وخدمة مصالح وطنه والتمكين لدين الإسلام وقيمه في الساحات التي يتحرك فيها. الرسالة الأولى: تجديد الإيمان أيها الشباب: "جددوا إيمانكم وحددوا غاياتكم وأهدافكم، وأول القوة الإيمان ونتيجة هذا الإيمان الوحدة، وعاقبة الوحدة النصر المؤزر المبين، فآمنوا وتآخوا واعلموا وترقبوا بعد ذلك النصر .. وبشر المومنين. إن العالم كله حائر مضطرب، وكل ما فيه من النظم قد عجز عن علاجه ولا دواء له إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه، فالجميع في انتظار المنقذ، ولن يكون المنقذ إلا رسالة الإسلام التي تحملون مشعلها وتبشرون بها" فالإيمان هو أول شيء ينبغي للمؤمن أن يعتني به وأن يتعهده، هل هو في زيادة أونقصان؟، وأن يبحث عن أسباب زيادته وتنميته وحمايته من الضعف أو الشبهات والشهوات، لأن قيمة الإنسان إيمانه وعقيدته التي تحرك أفكاره وسلوكه وتلهب شعوره وتدفعه نحو العطاء والعمل الدؤوب، لذلك أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد الإيمان وصقله من الصدإ فقال:" إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" [وراه الطبراني والحاكم وغيرهما وحسنه الألباني] الرسالة الثانية: حق الأمة في شبابها أيها الشباب: إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة : الإيمان، والإخلاص، والحماسة ، والعمل من خصائص الشباب. لأن أساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديما و حديثا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (الكهف:13) ومن هنا كثرت واجباتكم، ومن هنا عظمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم، ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلا، وأن تعملوا كثيرا، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقها كاملا من هذا الشباب" لذلك ينبغي استثمار مرحلة الشباب في استفراغ الوسع وتوظيف الإمكانات والنعم التي يتمتع بها الشباب في سبيل خدمة الأمة والوطن، لأن هذه المرحلة هي مرحلة الوعي الكامل والصحة التامة والحماسة والعزم الملتهب والقدرة على الإنجاز والعطاء اللامحدود، في ظل قلة التكاليف الاجتماعية والعلل الصحية والنمطية في التفكير وعدم القدرة على العمل. فمن ضيع فترة الشباب في الفراغ والانتظار فقد ضيع أهم مرحلة في عمره، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان سوف يسأل يوم القيامة عن مرحلة الشباب لما لها من مقومات القوة والحيوية والعقل والقدرة على الإنجاز حيث قال: "لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به" [رواه الطبراني في المعجم الكبير] الرسالة الثالثة: دعوة إلى العمل أيها الشباب: "كلما وقفت هذا الموقف من جمهور يستمع، سألت الله في إلحاح أن يقرب اليوم الذي ندع فيه ميدان الكلام إلى ميدان العمل، وميدان وضع الخطط والمناهج إلى ميدان الإنفاذ والتحقيق، فقد طال الوقت الذي قضيناه خطباء متكلمين، والزمن يطالبنا في إلحاح بالأعمال الجدية المنتجة، والدنيا تأخذ بأسباب القوة والاستعداد، ونحن ما زلنا بعد في دنيا الأقاويل والأحلام" . فما أجمل الخطابات والأفكار، وما أروع الاجتماعات واللقاءات، وما أبرع المناهج والمخططات، ولكنها تبقى أشباح زائفة وتماثيل جوفاء، وحياتها وجود سر الإخلاص فيها والاستقامة على نهجها والعمل من أجل تحقيقها على واقع الحياة، فيجب علينا أن نجتمع على الأفكار والمشاريع ونتفرق على الأعمال والإنجازات، فكل واحد منا سينال أجره على قدر عمله الفردي في هذه الأعمال المباركة، وسيحاسب أيضا على تقصيرها في أدائها وإحسان العمل فيها. فحقيقة الحياة الطيبة تتجسد في القيمة التي يمنحها الإنسان لها ولا قيمة للحياة بدون إيمان واستماتة في الدفاع عن الأفكار التي يعيش من أجلها المؤمن، قال الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى: عندما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود..أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض !! إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة، نربحها حقيقة لا وهمآ، فتصور الحياة على هذا النحو، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا و لحظاتنا. و ليست الحياة بعد السنين، ولكنها بعداد المشاعر. وما يسميه "الواقعيون" في هذه الحالة "وهما" هو في الواقع "حقيقة" أصح من كل حقائقهم!.. لأن الحياة ليست شيئا آخر غير شعور الإنسان بالحياة. جرِّد أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي! ومتى أحس الإنسان شعورا مضاعفا بحياته، فقد عاش حياة مضاعفة فعلا... يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال ! إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة، حينما نعيش للآخرين، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين، نضاعف إحساسنا بحياتنا، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية!.