كم هو مخجل أن يظل الإنسان حبيس مجتمع يفرض عليه نوعا من الوصاية لكي يضلوه السبيل.. فمن من المقرف جدا أن ترى بعض الأشخاص يأمنون بإيديولوجيات تجعلهم يتوهمون بأنهم دائما على صواب، بل و يعتقدون أنهم أصحابالحقيقة المطلقة; لهذا تجدهم يعملون ليل نهار من أجل إيصالها وتلقينها من جيل إلى جيل دون أن يخضعوها لأي نقد.ربما لا يدرون أم يتجاهلون أن أهم شيء هو البحث عن الحقيقة وعدم تقبلها جاهزة جامدة لا تسمن ولا تغني من جوع. فلا بد إذن من تعميع المعارف عن العالم والمجتمع الذي يحيط بنا، إذا أردنا بلوغ طريق الحقيقة، فالأحكام المسبقة نوع من التسرع في الخطأ. قد نتساءل بين حينوآخر:لماذا نعيش في مناخ مليء بالجدران تأبى أن تتغير؟ كيف لا ولحظة بناءها وصنعها تعود إلى آلاف السّنين ولم يطرأ عليها أي تغيير! ما يزيد الطين بلة هو اكتشاف أن الواقع مليء بالتناقضات:فالمدعون للحداثة والعقلانية والحرية هم أكثر الناس تعصبا وتطرفا ونرجسية. مما يجعلهميستظلون وراء مفهوم "الحرية"، من أجل إقصاء وعزل الآخر وكذا تبريردغمائيتهم. ألا يمكن لإنسان إذن أن يكف عن العيش في عالم نائم راكد يتسم بالخمول والجمود، و إيقاظه بواسطة الحوار البناء الذي يمكنه من رسم مبادئ وقيم إنسانية مشتركة. لا بد على كل فرد إذن أن يعمل جاهدا من أجل البحث عن هوية إنسانية تقيه شر الأنانية والبراغماتية ، وذلك لكي يستطيع أن يتأمل ويبحث داخل ذاته للوصول للآخر دون استغلال ألآخر من أجل الوصول للذات، كما نلاحظ في أغلب الآحيان. في الوقت الذي كنا نعتقد فيه أن بالكتابة نستطيع أن نعالج أو على الأقل نفكر في الأزمات التي أصابت العالم، نجد أنه ،هي الأخرى، يطغى عليها نوع من الخطابات الشعبوية والغوغائية. بحيث لم يعد للكاتب أية مسؤولية من أجل صياغة فكر نقدي بريء و عميق لا يكتفي بالغضب وردود الأفعال الغريزية والعاطفية التي من شأنها أن تعجزه وتضعفه. لا شك أنه من السهل على المرء كتابة عدة قصائد ومقالات أو حتى روايات يحكي فيها على سيرته بأدق التفاصيل، ولكن هل من السهل أن نكتب ونعبر من أجل الآخر(كإنسان) ووصف معاناته و آلامه التي تعتريه ليل نهار؟؟؟ لذا لا بد من إيجاد طريقة تمكننامن كتابة فكر حر و مسؤول لا يأبه ولا ينهار. فليس المهم أن نعبر باللغة العربية أو الفرنسية أو الإسبانية، ولكن الأساس هو ماذا نكتب في العمق: هل نكتب فكرا خالدا و مقاوما يعول عليه طيلة الزمان ؟ أم نكتب أفكارا آنية وقابلة للزوال في أي لحظة، كالعسل الذي يذوب سريعا عندما يحس بالحرارة. في الوقت الذي نرى فيه أيضا أن الدين أخذا صبغة أخرى(أفرغ من جوهره و أصبح عبارة عن مظاهر وأشكال)، فقد أصبح عبارة عن رموز وعلامات تجارية تصلح لإشهار بعض المنتوجات المنتهية الصلاحية، الشيء الذي جعله يفتقد إلى تلك الروح التي تقود الإنسان إلى عيش نوع من التوازن النفسي، بدل أن يعيش في تيه وضلال طيلة حياته. لا بد إذن من العمل على تغيير ذهنية المجتمع، والتي لن تتغير إلا إذا بدأنا بالقاعدة المركزية التي تتجلى في التربية والتعليم. من أجل إنشاء إنسان مستقل وحر ومبدع.لا يمتلك عقلية الضحية من خلال الشكوى، وإلقاء اللوم على الآخرين دائما. هذا بالإضافة إلى الحد من تقديس التراث كما يفعل بعض الأشخاص والذين يأملون في حنين نكوصي على حد تعبير ( عبد الكبير الخطيبي). وبالتالي اللجوء إلى نقد مزدوج يسمح لنا أن ننتقد الأنا و الأخر. الامر الذي يدعي أيضا التفكير، أكثر من أي وقت مضى، في وضعية المرأة والتي ينظر إليها مع الأسف كجنس آخر ضعيف، في حين أنها، أولا وقبل كل شيء، إنسان حر ومسؤول. يجب أن نربط معه علاقات إنسانية مبنية على مبادئ وقيم مشتركة، لا على تفاصيل وجزئيات مملة ومنحلة : إن أسوء علاقة يمكن للإنسان أن يعيشها مع الغير هي تلك التي تكون ناجمة عن الصدفة ومنحلة بالملل.