إنه ليتضح أن تعدد الأحزاب مباح في المغرب قانونيا ودستوريا، وعمليا ومما لا شك فيه أن في التعدد ضمانة للحرية، ولكن المصلحة تقتضي أن لا يتجاوز التعدد حده المعقول والمطلوب، فالتعدد الصالح هو ما كان وسطا بين الحزب الوحيد وتكاثر الأحزاب التي يتشعب معها الرأي العام، ويضعف ويفسد بقوة الإنقسام، وشدة الإختلاف، مما يؤدي حتما إلى التطاحن الذي قد يكون بالنهاية وبالا على الأحزاب، والحريات، ويسير بالبلاد ونحوها نحو قيام ما يسمى (بالحكم القوي)، بل بالديكتاتورية التي لا غبار عليها، ولهذا يكون شر الحرية في سوء استعمال الأحرار لها، وهو ما استطاع المغرب في عهد الإستقلال أن يتجنبه بفضل كفاح الأحرار منا، وعلى رأسهم جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله. هذا ما يخص تعدد الأحزاب في البلاد، أما أن يقوم من بين هذه الأحزاب، حزب الملكية الجديد، فلسنا ندري نصيب هذا من الصحة والحقيقة، ولكنه لا يوجد دخان بدون نار كما يقال، ومهما يكن فلسنا نستحيل شيئا في المغرب الذي هو بلد الغرائب والعجائب إلى أن يشاء الله. وإذا كانت الأيام حبلى -كما يشاع- بحزب الملكية الجديد، فإن ميلاده في هذه البلاد سيكون من غرائب الدهر وعجائبه، إذ كيف يتصور أن يؤسس حزب ملكي في بلاد غير جمهورية النظام، كالمغرب. إننا نفهم ونتصور أن يقوم حزب ملكي في دولة جمهورية، كفرنسا يوجد فيها فريق من الأمة يتمذهب بالفكرة الملكية، ويحن إلى عودة الملكية كشكل وإطار لنظام الحكم فيها...ولكننا لا نستطيع أن نفهم ولا أن نتصور قيام حزب ملكي في مملكة كالمغرب، خصوصا ودستوره ينظم ملكيته، ويجعلها وراثية، ويمنع إدخال أي تغيير أو تعديل في النظام الملكي الذي يسويه في هذا المجال مع الإسلام نفسه. فهل مع هذا كله يحتاج النظام الملكي المغربي إلى نشوء حزب خاص به؟ وإذا وجد هذا الحزب فهل معناه أن غيره من الأحزاب المغربية سيعتبر غير ملكي؟ وإن صح الإعتبار فهل ستكون نتيجته هي حل غير الحزب الملكي الجديد من الأحزاب الموجودة، أو التي قد توجد فيما بعد؟، وإذا تم هذا فإن الحزب الملكي الجديد سيصبح حزبا وحيدا في البلاد، وهو ما يحرمه الدستور تحريما صريحا تماما ومطلقا... وإذا سمح للأحزاب بالبقاء والنشاط مع وجود الحزب الملكي الجديد فهل سيسود الصفاء والوئام والتجانس والإخاء والتعاون بين الفريقين؟، وإذا لم يكن شيئا من هذا كما هو المتوقع، فهل سيكون الوضع في صالح البلاد والأمة والملكية نفسها؟. ومن يكون غير أولائك قد فكر في إنشاء حزب للملكية دون أن يشعروا بما في هذا من المضار والأخطار نتيجة التنافس وغيرهما مما سبقت الإشارة إليه. وخلاصة القول، إن قيام حزب ملكي في المغرب ليس في صالح الملكية نفسها لا في الحال ولا في المآل، وأن الملك بالجميع وللجميع وفوق الجميع، والملكية لا تملك لخدمة نفسها والقيام بأعبائها وأداء واجباتها على الوجه الصحيح وسيلة أحسن من الابتعاد عن التحزب والأشياع الزائفين، من المتملقين والمخادعين والمرائين الذين يظهرون ما لا يسرون، ويسيئون إلى البلاد والملكية من حيث يدرون أو لا يدرون... • الإثنين 31 دجنبر 1962- جريدة الدستور- مقالة للزعيم محمد بلحسن الوزاني رحمه الله. بتصرف إسحاق شارية