ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمام فوضى فتوى سقوط صلاة الجمعة لمن شهد صلاة العيد !! لا يسعنا إلا الدعاء "أصلح الله بالكم"
نشر في العمق المغربي يوم 04 - 09 - 2017

سُئل مرة أحد العرفين: لو كانت هناك أمنية واحدة تُلبى لك الآن ماذا ستتمنى ؟
فقال : راحة البال، نعم يا سادة يا كرام ، "راحة البال"
اليوم وكأنني للمرة الأولى أقرأها في كتاب الله: " وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ "، توقفت ملياً عند هذه الآية ..
كلمة (بال) كلمة فصيحة وكنت أظنها عاميّة، أصلح الله بالكم؛ دعاء جميل جداً في الآية لم أكن أتفطن له ؟
والبال هو موضع الفكر، والفكر موضعه العقل و القلب.
فأنت حين تقول: أصلح الله بالك، أي أصلح الله خاطرك، وتفكيرك، وقلبك، وعقلك
ويقول الله سبحانه في سورة محمد: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ )
فشروط إصلاح البال ثلاثة مذكورة في كتاب الله:
الإيمان بالله وعمل الصالحات والعمل بتعاليم ما نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ بشكل فعلي، كما
جاءت لفظة صلاح البال في السنة النبوية المطهرة بعد الدعوة بالهداية لمن عطس، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ (ص) قَالَ: ((إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ))
أراح الله بالي وبالكم هذه الأيام، وكفّر سيئاتي وسيئاتكم، وهداني وإياكم طريق الصواب، في أيام تشريق مشرقة بحول الله..
هذه المنحة الطيبة العجيبة ، خانت هذه الأيام قومنا في المشرق كما في المغرب من الاحرار والعبيد، و تحديدا يوم عيد الأضحى السعيد، الذي صادف يوم الجمعة الماضية، إذ لوحظ تخبط الناس و تشتت المسلمين في أداء صلاة الجمعة من عدمها بعد أداء صلاة العيد صباحا، محتارين هل يصلونها ظهرا فرادة و يهجروا مساجدهم في ذلك الوقت بما فيهم أئمة المساجد ؟؟، ولاحظ بعضهم أن سقوط أداء الجمعة واجب، فترخصوا في ترك صلاة الجمعة وصلوها فرادا ظهرا .. قد يقبل هذا الامر بشكل أو بآخر وتحديدا في بعض الدوال الغربية لجاليتنا المسلمة، منها مثلا الدول التي لا تعترف رسميا للمسلمين بعطل الأعياد الدينية، فيصعب التغيب عن العمل في نفس اليوم مرتين بعذر ديني كما يقال لهم عموما.. أما في الدول الإسلامية التي عطلتها يوم الجمعة فهناك متسع لاجتهادات علماء البلاد، و لهم حق الترخيص من عدمه، حسب المذهب و العرف و ما ذهب إليه أهل العلم من أهل البلد، و قد استوقفتني ردود الأفعال العديدة أيام التشريق هذه خاصة ما تناقلته منابر التواصل الاجتماعي، فمنهم مبيح و منهم مكره و منهم متهم بالبدعة ؟..
! الذين لا يثقون في أصحاب الدار يستفتون من خارج الأسوار
كما استوقفتني أسئلة وجيهة لأحد المشايخ في الجزائر، الذي استفسر من متصفحي موقعه، مناشدا بعضهم بقوله: أريد أن أحلل معكم الظاهرة، أي ظاهرة سقوط صلاة الجمعة يوم العيد، متسائلا:
هل هو أثر اللامذهبية؟ – أم هل هو أثر القنوات الإعلامية؟ – أم هل هي عقدة الانسياق خلف ما يأتي من الخارج، واستضعاف ما يأتي من الداخل؟ – أم هل هي رقة في تدين الناس بحيث يأخذون بالرخص حيثما وجدت؟- أم هل هو ضعف المرجعية المحلية أو غيابها؟
وهي أسئلة منطقية ووجيهة في عمومها، وقد تجتمع كل هذه التساؤلات لدى شريحة معينة من الناس، مما حدى ببعض الاخوات ، التعليق بقولها:
"للأسف من الجزائريين من لا يثقون في أصحاب الدار ويستفتون من خارج الأسوار! و اردفت تقول "استمعت شخصيا لمحمد صالح المنجد في قناة مكة يفتي جزائريا استفتاه قبل العيد بيومين.. عن صلاة الجمعة في يوم العيد فأعطاه فتوى عامة بجواز عدم أدائها والأفضل ان يؤديها فماذا يُفهم من هذه الفتوى؟ على الرغم من المسالة فيها تفصيلات واستثناءات على قلة معلوماتي الفقهية"
وعلق آخر، قائلا:
"من الأمور التي صدفتني أن في المسجد الذي صليت فيه، كانت مجموعة من الناس يذكرون الله جماعة كما تعودنا عليه من قبل في حضرة مشايخ، إلا أن مجموعة كانت تذكر الله بطريقة فردية و كان ذلك يشوش على الذكر الجماعي فساد المسجد نوع من الفوضى و ارتفاع الأصوات بطريقة فوضوية، يعتبر البعض أن الذكر جماعة بهذه الطريقة بدعة !"
وعلق ثالث، قائلا :
"منعهم تكبير النّاس جماعة على نسق واحد في العيد ووصف ذلك بالبدعة، والتّحقيق الأصوليّ يقتضي أنّ البدعة هي في قولهم هذا لا في تناسق التّكبير"، متسائلا بقوله "متى كان الشّرع المطهّر يأمر بالاختلاف والتّباين والفوضى وتشويش النّاس بعضهم على بعض، ويجعل ذلك من مطالبه، وينهى عن الاتّحاد والاجتماع والتّوافق".
العيد عنوان الحرية و الانعتاق للشعوب المتحضرة
كل هذا اللغط و الخلط من دخلاء على الدين، متناسين رحمة تغافر العيد و أخوة الاسلام و أتباع أولي الامر و الفضل في الفتوى في البلد، متناسين أن مناسبات الأعياد الإسلامية شكلت حافزا للوحدة و التآزر و لا زالت مادة خصبة للفقهاء والعلماء والشعراء منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وتفاوتت معرفتهم وأحاسيسهم به قوة وضعفُا، عبادة وعادة، وأخذ هذا الاهتمام مظاهر عديدة، ومن هذه المناسبات، – إن لم يكن من أهمها- العيدين؛ فهي تتكرر كل عام مع اختلاف الظروف والأحداث التي قد يمر بها عالم من نخبة القوم خاصة أو تمر بها بالأمة الإسلامية عامة، وقد تفاعل الشعراء مع الأعياد تفاعلاُ قويًا ظهر في أغراض شعرية منوعة.
ونحن لا نختلف في أن العيد من شعائر الإسلام، وله أحكام شرعية تتعلق به من أجل ذلك قام فقهاء وعلماء منذ قرون، الحديثَ عن معنى العيد وحكمة مشروعية العيدين، وحكم صوم العيدين وأيام التشريق الثلاثة، وحكم التكبير وأنواعه وصفته، ومشروعية صلاة العيدين وحكمها ووقتها، وصفة صلاة العيد ومكان إقامتها، وآداب الخروج إلى مصلى العيد، وحكم قضاء العيد، وصفة التهنئة بالعيد، وصفة اللهو والغناء المباح، وحكم زيارة المقابر يوم العيد، وحكم اجتماع العيد مع الجمعة وهو ما صادف هذه السنة أيضا و اثار المشكلة.. طبعا، إن صحت حسابات فلكيينا وأجهزتهم، لأن بعضهم يجزم أن عيد الأضحى يوم الخميس وليس الجمعة، لا علينا.. فالعيد راحة البال و عنوان الحرية والانعتاق للشعوب المتحضرة، فماذا عن من أمضى يوم العيد خلف قضبان السجون، و ماذا عن العيد و بعض دولنا تحت الاحتلال و الحصار، و ماذا عن العيد و أمم تباد بالجوع والخوف و الأمراض و الأوبئة..
كيف يبدع الأدباء و الشعراء يوم العيد وهم وراء القضبان
لذا حبذا لو يتدبر من ينعمون بالخيرات أيام الأعياد ما جرى لأسلافنا و لازال، و لبعض أهالينا وجيراننا و لازال، من محنة السجن والانقطاع عن الأهل والأحباب والأبناء في مثل هذه المناسبات، إذ يأتي العيد عليهم؛ وهم خلف القضبان، فتثور في نفوسهم الذكريات؛ فهذا سيد قطب يبدع بظلال القرآن في ظلمة السجون، و يبعث للأمة بأنفس تفسير، وهذا الشاعر مفدي زكريا، شاعر الثورة الجزائرية يبدع في كتابة النشيد الوطني في الزنزانة رقم 69 بسجن بربروس أثناء الاحتلال، ويكتب نشيد "نحن طلاّب الجزائر"، و نشيد"العلم" الذي كتبه بدمه بدل الميداد، يهديه للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وكذا نشيد "الشهيد" الذي نظّم بتاريخ 29 نوفمبر 1956 بالزنزانة رقم 65، وطلبت جبهة التحرير الوطني من المحكوم عليهم بالإعدام بترديده قبل الصعود إلى المقصلة !..
ومن المعاصرين عمرو خليفة النامي الليبي الذي كتب قصيدته (يا ليلة العيد) وهو بين قضبان السجون يصوّر فيها ما يعانيه هو وأحباؤه من مأساة الظلم والطغيان، فما أشد ما يلاقيه الشاعر وهو في زنزانة ضيقة تطوف بخاطره وخياله صورة أطفاله وهم ينتظرونه في ليلة العيد، حتى يصور الشاعر نفسه كأنه يبصر أولاده والدمع ينهمر من أعينهم شوقًا إليه، فكيف تكون فرحة الأطفال بالعيد والآباء يرسفون في السلاسل والقيود؟‍
يا ليلة العيد كم أقررت مضطربًا *** لكن حظي كان الحزن والأرق
أكاد أبصرهم والدمع يطفر من *** أجفانهم ودعاء الحب يختنق
يا عيد، يا فرحة الأطفال ما صنعت *** أطفالنا نحن والأقفال تنغلق
ما كنت أحسب أن العيد يطرقنا *** والقيد في الرسغ والأبواب تصطفق
إنها مشاعر جياشة تثور مع عودة العيد كل مرة على المشردين و المهجرين قصرا و المعتقلين في السجون خصوصًا إذا كان السجن ظلمًا، فتثور الذكريات ويعيش كل منهم ذكرياته مع الأهل والأصدقاء والأطفال
يا عيد إن لقيناك اليوم بالاكتئاب؛ فتلك نتيجة الاكتساب
وهذا العلامة محمد البشير الابراهيمي يخاطب العيد بسيف قلمه البتار و بلسان أمة مكلومة، ويصف حال الأمة الإسلامية في العيد، حتى لكأنه يتحدث عن حال المسلمين اليوم، مع أنه قد كتب تلك المقالات منذ ما يزيد عن سبعين عاماً، يقول رحمه الله :
" يا عيد إن لقيناك اليوم بالاكتئاب؛ فتلك نتيجة الاكتساب، ولا والله ما كانت الأزمنة، ولا الأمكنة يوماً ما جمالاً لأهلها، ولكن أهلها هم الذين يُجَمِّلونها ويُكَمِّلونها، وأنت يا عيد ما كنت في يوم جمالاً لحياتنا، ولا نضرة في عيشنا، ولا خضرة في حواشينا حتى نتَّهمك اليوم بالاستحالة، والدمامة، والتَّصوُّح.. وإنما نحن كنا جمالاً فيك، وحِلْيَةً لِبُكرِك وأصائلك؛ فحال الصبغ، وحلم الدبغ، واقشعر الجناب، وأقفرت الجنبات، وانقطعت الصلة بين النفوس وبين وحيك؛ فانظر أيُّنا زايل وصفَه، وعكس طباعه؟ بلى إنك لم تزل كما كنت، وما تَخَوَّنتَ ولا خنت، وتوحي بالجمال ولكنك لا تصنعه، وتلهم الجلال ولكنك لا تفرضه.. ولكننا نُكِبْنَا عن صراط الفطرة، وهدي الدين؛ فأصبحنا فيك كالضمير المعذب في النفس النافرة([آثار الإمام الابراهيمي 3/481،])."
وسطية الإسلام رافضة للغلو المادي والروحي في العيد و غير العيد
و بالتالي نقول للذين يفسدون علينا أعيادنا من مرة لاخرى، إرحمونا من جهلكم وتطرفكم فالإسلام دين الوسطية، ولقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الوسطية (جَعْلاً إلهيّا)، وليس مجرد خيار من خيارات المؤمنين بالإسلام، فقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة:143). ونحن نلاحظ أن هذه الآية الكريمة قد جعلت الوسطية علة وسببا يترتب عليه اتخاذ الأمة الإسلامية موقع (الشهود) على العالمين، بما في هذا العالمين من أمم وشعوب وملل ورسالات وثقافات وحضارات. وذلك التعليل وثيق الصلة بمعنى (الوسطية) ومعنى (الشهود)..
فالوسط كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العدل. والعدل هو الشرط المؤهل للشهادة والشهود على العالمين. ولأن هذه الأمة الخاتمة قد آمنت بكل النبوات والرسالات والكتب السماوية، كانت وحدها المؤهلة عدالتُها بالشهادة على العالمين، بما في ذلك الشهادة على تبليغ كل الرسل رسالاتهم إلى أمم هذه الرسالات
فوسطية الإسلام الرافضة للغلو المادي والغلو الروحي، كما يعرفها الدكتور محمد عمارة- حفظه الله- هي وسطية لا تلغي المادة والمادية ولا الروح والروحانية كليا، وإنما هي (الوسطية الإسلامية الجامعة) تصوغ الإنسان الوسط: راهب الليل وفارس النهار، الجامع بين الفردية والجماعية، بين الدنيا والآخرة، بين التبتل للخالق والاستمتاع بطيبات وجماليات الحياة التي خلقها الله وسخرها لهذا الإنسان
بن باز: الواجب على الإمام أن يقيم الجمعة يوم العيد وأن يحضر في المسجد ويصلي بمن حضر
و حتى الامام بن باز، في فتاويه، لما سؤل، ما حكم صلاة الجمعة إذا صادفت يوم العيد هل تجب إقامتها على جميع المسلمين أم على فئة معينة، ذلك أن بعض الناس يعتقد أنه إذا صادف العيد الجمعة فلا جمعة إذاً !؟
فقال: الواجب على إمام الجمعة وخطيبها أن يقيم الجمعة وأن يحضر في المسجد ويصلي بمن حضر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيمها في يوم العيد يصلي العيد والجمعة عليه الصلاة والسلام وربما قرأ في العيد وفي الجمعة جميعا بسبح والغاشية فيها جميعا، كما قاله النعمان بن بشير رضي الله عنهما فيما ثبت عنه في الصحيح، لكن من حضر صلاة العيد ساغ له ترك الجمعة ويصلي ظهرا في بيته أو مع بعض إخوانه إذا كانوا قد حضروا صلاة العيد، وإن صلى الجمعة مع الناس كان أفضل وأكمل، وإن ترك صلاة الجمعة لأنه حضر العيد وصلى العيد فلا حرج عليه لكن عليه أن يصلي ظهرا فردا أو جماعة
يتقاضانا العرف والعادة أن نفرح في العيد ونتبادل التهاني
صحيح أن المرء يكون أحيانا في حيرة من أمره، أمام تعدد الفتاوى و الاجتهادات وتنوعها، لكن ذلك كله لا يجب أن ينسينا بأي حال أننا مسلمون.. أننا محاسبون اليوم قبل الغد، عن "ماذا قدمنا لقضيتنا، لا بل لقضايانا المتعددة و جراحات أمة محمد الدامية؟ أما اليوم، فقد يتقاضانا العرف والعادة أن نفرح في العيد ونبتهج وأن نتبادل التهاني، وأن نتهادى البشائر و نكف عن الضغائن"، أو كما قال الامام الابراهيمي في مثل هذه الأيام زمن الاستعمار الحالك: "اليوم يوم عيد، لكن تتقاضانا الأيامى والثكالى والأيتام،
اليوم يوم عيد، لكن يتقاضانا الشهداء والمجاهدون المخلصون المشردون في الفيافي؛ أبدانهم للسوافي، وأشلاؤهم للعوافي.. أن نكون أوفياء للعهد، وأن لا نخون قضيانا العادلة، وأن ننأى بها عن أسواق المزاد العلني التي دخلها الكثير من تجار المبادئ، وسماسرة القضايا ! يتقاضانا الأسرى والجرحى، أن لا ننعم حتى ينعموا، وأن لا نطمئن حتى يفرحوا بنصر الله، وبعودة الحقوق إلى أهلها في عزة وكرامة" ..
إنما العيد لمن طاعاته تزيد
أما هؤلاء القوم المتشاكسون اليوم على فراغ و في فراغ، يحلو لنا تكرار ما قاله العلامة الابراهيمي في ذات المناسبة و هو يبكي على جرح الجزائر و فلسطين "حرام عليكم أن تنعموا وأهلكم من المسلمين بؤساء، وحرام أن تطعموا وإخوانكم جياع، وحرام أن تطمئن بكم المضاجع وإخوانكم يفترشون الغبراء، ويسومهم زبانية الغدر وسماسرتها سوء العذاب..
أيها المسلمون، "أفهموا ما في هذا العيد من رموز الفداء والتضحية والمعاناة، لا ما فيه من معاني الزينة والتفاخر المادي، ذاك حق الله على الروح، وهذا حق الجسد عليكم. وصدق من قال :"ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن طاعاته تزيد "، نعم ليس العيد لمن لبس الجديد و أكل اللذيذ إنما العيد لمن طاعاته تزيد.. أراح الله بالي و بالكم ، وكفّر سيئاتي وسيئاتكم ، وهداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.