كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن دور القطاع العام بالمغرب ،وارتباطه بأزمة المواطن مع الإدارة . واتهامات الكثيرين ، وصب جل المشاكل الهيكلية بالمغرب، للموظف في القطاع العام كأن القطاع الخاص بالمغرب ينافس بعض كبريات الشركات العالمية التي تجعل من مسؤوليتها الاجتماعية أحد ركائزها الأساسية ،وقاطرة لتحقيق أهدافها وتحسين صورتها. بلغة الأرقام و الإحصاء ، يضم القطاع العام بالمغرب أزيد من 860 ألف موظف أي 1.45 موظف لكل 100 مواطن. وإذا أردنا أن نجري مقارنة بسيطة مع دول الجوار، فتونس مثلا ذات ساكنة تقارب 11 مليون فقط تتوفر على 700 ألف موظف أي 2.15 موظف لكل 100 مواطن . أما الجزائر التي تقارب ساكنتها 41 مليون نسمة فعدد موظفيها هو مليونان و عشرون ألف موظف أي 4.92 موظف لكل 100 مواطن. أذن مقارنة بدول الجوار التي لها نفس مستوى النمو، يتبين أن المغرب يعاني من خصاصة من حيت عدد الأطر و الموظفين في القطاع العمومي التي يرتبط ارتباطا جذريا بالسلم الاجتماعي من صحة و تعليم وأمن وخدمات .هذا النقص كان نتاجا للسياسات العمومية مند عهد الحسن الثاني مرورا بالمغادرة الطوعية وأخيرا التوظيف بالتعاقد ،حيت على مدى السنوات الأخيرة ،قل عدد المناصب المالية المقترحة لوزارات عدة حيت لم تتعدى العشرات. سياسة الحد من التوظيف كانت نتيجة إملاء صندوق البنك الدولي بدعوى تقليص كتلة الأجور و تشجيع الاستثمار وبالتالي الحصول على قروض ،تلك مبررات أصبحت واهية في ضل عدم وجود جواب للإشكال الحقيقي وهو أين تذهب الثروة وما مصير تقارير مجلس الحسابات. كيف يمكن أن نلوم ممرض مسؤول عن إعطاء مواعيد الفحص بالسكانير، أن يعطي مريض جاء من منطقة نائية موعد لعدة شهور في ضل شح المعدات ،إنها المواجهة المباشرة بين الطرفين .كيف نلوم المكون أو المعلم على جودة التعليم مع غياب المعدات والوسائط البداغوجية من حواسب و ألواح ذكية،كيف نلوم الموظف عن شكل الحديقة المدرسية إن وجدت وعن حالة الصرف الصحي بالمدرسة وجودتها. إذن فطبيعي أن يوجه اللوم للموظف ولا نجد من يدافع مع الكم الهائل للنقابات و تشتتها فالبعض دجن و البعض الأخر هو أذرع نقابية للأحزاب السياسية ،فقدت مصداقيتها ودورها في تأطير المواطنين . فألمانيا لديها نقابة واحدة، أما تونس فإتحادها للشغل نال جائزة نوبل للسلام نضير إنجاح وتأطير ثورة الياسمين. لا أحد يجادل عن الدور الذي يلعبه القطاع الخاص في تنمية الشعوب و تقدم البلدان ،من خلال خلق مناصب الشغل و تنويع و تكملة العرض المقدم من طرف المؤسسات العمومية . فقليلا ما نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية في إعلامنا العمومي ودور كبريات الشركات في محاربة الفقر و التهميش وثقافة التبرع ، إذ تقتصر غالبا على المساهمة في تنظيم مهرجانات الموسيقى أو الاعتناء ببعض الحيوانات المنقرضة بالمغرب ،أما تشييد دور الطلبة للوافدين من المناطق النائبة والإحياء الجامعية ومساهمة في المنح و البحوث و تشيد المكتبات وإنشاء معاهد الموسيقى و دور الشباب فتلك أشياء ربما تدفع أصحاب الملايير للضحك علينا. ونحن على أبواب الدخول المدرسي ما هو حجم الإضافة التي قدمها قطاع التعليم الخصوصي للتعليم قضيتنا الثانية بعد الصحراء المغربية ،غير مطالبة الكثير من أرباب تلك المدارس بتقليص الضرائب أو مراجعتها ، و التهديد بالإضراب في أحيان عديدة و ما هروب ألاف المدرسين إلى التعاقد مع الدولة إلا واقع الحال على ظروف اشتغالهم، و قس على ذالك في شركات عديدة ، تدفع عمالها إلى الانضباط إلى حد الوسواس القهري في ضل معرفة الجميع بصعوبة الحصول على وظيفة بعد سنوات من التحصيل و الكد وتوقف الدولة عن التوظيف. أما القطاع الخاص المرتبط بالصحة ،فحاله معروف فلا يمكن أن تلجئ إليه إلا إدا توفرت على نقد كافي أو دفتر شيكات أو تأمين جيد. أما قطاع التدبير المفوض فهو يعيش حالة مزرية في كبريات المدن المغربية. إذن البديل الأول هو فرض جزء بسيط من المسؤولية الاجتماعية في دفتر تحملات كبريات الشركات قبل إعطاء التراخيص .أما البديل الثاني فهو الابتعاد عن سياسة الريع و محاربتها والبدا بتخفيض الرواتب العليا لكبار الموظفون و الوزراء و البرلمانيين والمستشارين وإلغاء الغرفة الثانية . فالكل يجمع على أن المغرب يعيش أزمة اقتصادية صامتة ،أكدها تقرير صدر مؤخرا عن بنك المغرب إذ تراجعت نسبة النمو عام 2016 لتبلغ 1,2 في المائة و بلغ عجز الميزانية 4,1 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. وأن يفتح نقاش عمومي حول مقدار انفتاح المغرب على إفريقيا ،لكي لا نضع كل البيض في سلة واحدة.كما أن استثمارات القطاع الخاص في المغرب ترتكز على قطاعات لا توظف الكثير من اليد العاملة، كالبنوك و قطاع الاتصالات. ولتجنب الاحتجاجات و التوتر وجب على الدولة إعادة امتلاك القطاعات المرتبطة بالسلم الاجتماعي للمواطن ، كقطاع توزيع الطاقة و المحروقات وفتح نقاش حول المخطط الأخضر الذي ترصد له أموال طائلة إضافة إلى صندوق دعم العالم القروي، وأن يعاد ويحسن نظام التعاونيات الفلاحية، وأن يشغل فيها بعض ساكنة العالم القروي، فنصف عدد المغاربة موجودون في البوادي و القرى. إذن اتهام الموظف، وتحميله المسؤولية كاملة هو عنترية وجب توجيها إلى المستفيدين من اقتصاد الريع وإلى المشار إليهم في تقارير المجلس الأعلى للحسابات. فبنية الأسرة المغربية تضامنية تجعل من كل موظف في المغرب يعيل نفسه و عائلته وبعضا من أقاربه.