في حمأة الصراع الحامي الوطيس الذي بدت ترتسم ملامحه في المشهد السياسي، بين قطب المحافظين يمثله حزب العدالة والتنمية، وقطب الحداثيين يمثله حزب الأصالة والمعاصرة، في غمرة هذا الصراع الثنائي بدت باقي الأحزاب تخبو وتتوارى إلى الخلف، الأمر الذي يجعل المرء يتساءل، هل أريدا لباقي الأحزاب السياسية أن تتحول إلى ما يمكن تسميته بأحزاب سد الخصاص؟ خلال الفترة الأخيرة يلاحظ المتتبع للمشهد الإعلامي ووسط التواصل الاجتماعي تكريس هذه الثنائية على حساب أحزاب وطنية لها وزنها وتاريخها في المشهد السياسي، مثل حزب الاستقلال الذي قلمت أظافره في الانتخابات الجهوية والجماعية، وإسقاط عضوية مجموعة من مستشاريه بالغرفة الثانية من قبل المجلس الدستوري، ولا ننس كذلك حزب الاتحاد لاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية... إن الملاحظ للمناخ السياسي العام وما يعتمل في الحقل السياسي مؤخرا، سيخرج بخلاصة مفادها بأن الصراع هو صراع ثنائي قطبي، بين تيارين ذوي مرجعيتين مخلتفتين، وغياب باقي الأحزاب السياسية، وهذا يضر بالتعددية الحزبية، وبأحزاب لها موقعها ومكانتها في النسق السياسي، وتقليص امتداداتها داخل المجتمع لفائدة هذين التيارين، والمستفيد طبعا هو حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، من حيث لا تدري أو تدري الجهة التي تسعى إلى تكريس هذه الثنائية الموسومة بطابع إيديولوجي أكثر من طابع خلاف برنامج سياسي أو مشروع مجتمعي. إن مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية الإخبارية المتحررة أكثر من الإعلام الرسمي التي تروج لهذه الثنائية عن وعي أو بدون وعي ، تؤثر لا محالة في توجهات الرأي العام واختياراتهم ورسم هذه الثنائية في ذهن المواطن بكل تلقائية. وعليه فإن الأحزاب السياسية يجب أن تفطن إلى هذه الثنائية التي لا تخدمها والتي ستحولها إلى أحزاب سد الخصاص، إما أحزاب لزيادة وهج المصباح، أو أحزاب للدفع بالجرار إلى المقدمة والأمام.