استوقفني هذا الأسبوع مقال نشره الأستاذ لحسن حداد تحت عنوان"لا للتراجع عن الخيار الديمقراطي" يدعو فيه إلى وقفة "حقيقية وصارمة" من أجل الديمقراطية ودولة الحق والقانون، لافتا الانتباه إلى ضرورة تحييد الحقل السياسي من تدخل الدولة لفائدة نوع معين من الأحزاب.وإن كان هذا المطلب مشروع فإنه يخفي وراءه تقاعس الأحزاب عن القيام بدورها في تأطير المواطنين وتوجيههم لخدمة الوطن. فالمتأمل للأداء الحزبي والبرلماني للأحزاب يلاحظ غياب إرادة حقيقية لدى الفاعل الحزبي في دمقرطة الحياة السياسية وخير دليل على ذلك أنه لم نسمع لحد الآن تقديم أي فريق حزبي لمشروع قانون يمنع فيه ازدواجية المناصب السياسية حفاظا على حسن تدبير الشأن العام وسير المؤسسات العمومية.فهناك من يجمع بين العضوية في البرلمان ورئاسة الجماعات المحلية والعضوية في المجالس الاستشارية ونتسائل لماذا الأداء التشريعي للبرلمان المغربي ضعيف. فكيف للديمقراطية أن تسود في جو تطغى عليه احتكارية التمثيلية السياسية؟ولماذا رفضت الأحزاب مطلب وزارة الداخلية في الفصل بين التمثيلية البرلمانية ورئاسة الجماعات المحلية؟ففي هذه الحالة فإن وزارة الداخلية أكثر ديمقراطية من الأحزاب التي تسمح لأعضائها بازدواجية المناصب السياسية. هل يعقل أن يحتكر عدد قليل من الأشخاص التمثيلية السياسية ونطالب الشباب بعدم العزوف عن الانتخابات؟و إذا كان الأستاذ تحدوه الرغبة في تطوير الحياة السياسية وتحصين الديمقراطية فعليه أن يسارع إلى تقديم مبادرة تشريعية تدعو إلى القطع مع ريع التمثيلية السياسية. كما أنني أستغرب من إلقاء كل اللوم على الدولة المغربية والتقاعس عن القيام بالواجب الذي يحتم على البرلماني تقديم مقترحات قوانين لصالح البلد. فلتعزيز الديمقراطية التي ينادي بها الأستاذ، نحتاج إلى تقليص عدد الولايات الانتخابية المسموح بها للترشح في البرلمان والجماعات المحلية إلى اثنتين حتى تعطى الفرصة للشباب للتعبير عن مطالبه. فإذا كان البرلماني عاجز أو غير متفرغ للقيام بعمله في مراقبة الحكومة وتقديم مقترحات قوانين و التفاعل مع الشارع، فما الفائدة السياسية من إعادة انتخابه أكثر من مرتين حتى يلج البرلمان من هو مستعد لذلك.ولم نسمع يوما ما أن رئيس فريق برلماني طرد زميله لمجرد تقديمه مقترح قانون و إنما تنشأ الصراعات حول التنافس على المناصب والمنافع. هناك اليوم العديد من الأمور التي تحتاج إلى معالجة برلمانية، بيد أنه قلما ينتبه بعض البرلمانين إلى ضرورة تقديم مقترحات قوانين تعود بالنفع على البلد عوض الانخراط في الجدال السياسي. فما الذي يمنع مثلا البرلمانيين من تقديم مقترح قانون ينص على إنشاء مدارس خصوصية مسائية للراشدين والمنقطعين عن الدراسة لجميع المستويات حتى يتصالح المواطن المغربي مع المدرسة؟فهناك من المواطنين من لم تعطى له الفرصة للدراسة أو متابعتها بسبب ظروفه الاجتماعية أو المادية ويرغب اليوم في استدراك مافاته،فلماذا نحرمه من هذه الرغبة في إعادة الاعتبار للذات ونصالحه مع واقعه الاجتماعي الذي لم ينصفه كباقي أقرانه.وإن كان هذا الإنسان لم تعطى له الفرصة لمتابعة الدراسة في سن معين فعلينا أن نعوضه على ما فاته ونفتح له آفاقا جديدة في الحياة. ويجب السير على هذا النهج وعدم تقييد التعليم بالسن و فتحه على مصراعيه للجميع.وفي هذا الإطار، كانت جامعة محمد الخامس قد فتحت باب الدروس المسائية للراغبين فيها ويجب تعميم هذه التجربة على باقي الجامعات والمؤسسات وتوسيعها عموديا وأفقيا لتشمل باقي الشعب والمستويات الدراسية الجامعية. بيد أنها تبقى تجربة محدودة على اعتبار أنها رهينة بالحصول على شهادة البكالوريا وهو ما هو غير متوفر لدى الفئات التي تحتاج للتعليم للرقي الفكري والاجتماعي. وخير دليل على ذلك هو حالة الكاتب محمد شكري صاحب رائعة "الخبز الحافي"، الذي دخل إلى المدرسة في سن التاسعة عشر بعد أن تسكع وجال في الآفاق وتخرج بعد دراسته مدرسا وبعدها أصبح كاتبا مشهورا. ويبقى التعليم مفتاحا سحريا لتحقيق كل الرغبات والآماني والوقاية من الآفات الاجتماعية. وستعمل كذلك هذه المدارس على النهوض بوضعية التعليم بالمغرب وتحسين أدائه و فتح فرص شغل جديدة للشباب وتشجيعهم على الاستثمار في المدارس الخصوصية المسائية للراشدين والمنقطعين عن الدراسة، وكذا تغيير الثقافة السائدة نحو الأفضل والقضاء على مظاهر التخلف الاجتماعي. فعوض أن يجلس الفرد في المقهى قد يسجل نفسه لتحسين مستواه الدراسي والفوز بإحدى الشواهد الوطنية ولما لا التسجيل في الكلية يوما ما.وبذلك سيتعزز ترتيب المغرب على الصعيد الدولي وخصوصا أننا لا زلنا متخلفين في التعليم على الصعيدين العربي والدولي. فمثلا يبلغ متوسط سنوات الدراسة للأفراد الأكثر من 15 سنة أقل من ست سنوات في المغرب، بينما يتجاوز عشر سنوات في الأردن. فالدعوة موجهة،إذن، لحزبكم و باقي الأحزاب لفتح باب الأمل لهذه الفئة التي تنتظر من يفتح لها آفاقا تعليمية أرحب لإعادة الاعتبار للذات وسنرى ما إذا كان المواطن سيقبل على الأحزاب إن كانت تخدم مصالحه.فالكرة الآن في ملعبكم أيها البرلمانيون وعليكم أن تحسنوا اللعب عوض التوقف و لوم الحكم على نتيجة المبارة.