نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون "في عمق" المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان. التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح. ضيف الحلقة 14 من هذه السلسلة مع ابن مدينة زاكورة ميمون أم العيد، الصحفي المتعاون بموقع هسبريس الإلكتروني. ما الذي تتذكره عن طفولتك؟ ولدتُ بقرية نائية في تخوم زاكورة، عشت طفولة عادية كتلك التي يعيشها أبناء الدوار، متنقلا بين دواري نواحي تازارين وأكدز حيث كنت أدرس في داخلية إعدادية النخيل. أبي رحمه الله تعالى كان فلاحا بسيطا، يحرث الأرض ويتعهد الشتلات بالعناية، يزاول عمله دون أن ينتظر منه نتيجة آنية، كمن يُصلي. كان حكّاءً جيدا، يعرف كيف يقص الأحداث التي عاشها أثناء سفره وتنقلاته، وكان لحكاياته أثر بالغ عليّ. كيف جاء التحاقك بالصحافة؟ وأنا مازلت تلميذا كنت أبعث بنصوص لبعض الجرائد الورقية، نصوص ساخرة في الغالب، ليست أخبار، وإنما آراء فيما يجري حولي، أو قصص حبكتها وبعثتها لجريدة ما. وكم كانت فرحتي عندما أجد اسمي مرقونا أسفل نص ما. كان لديّ هذا الميول منذ صغري، مرة قال لي أستاذ اللغة الفرنسية بأنني سأصير مُذيعا، لكنه كان نبيا مخذولا لم تتحقق رؤياه! مرة شاركت في كاستينغ لاختيار مذيعين لإذاعة خاصة، كان عدد المشاركين كبيرا، كنت وقتها طالبا بشعبة الاقتصاد، تجاوزت مراحل كثيرة، لكن اللجنة اختارت في الأخير فتيات يملكن أصواتا جيدة، ومقومات أخرى. أنشأت مدونة أنشر فيها مقالاتي الساخرة وقصصي، ثم بدأت بالنشر في "هسبريس" بعد ظهورها في 2007، لكنني اقتصرت على كتابة الرأي فقط لمدة. وبعد ذلك عدت إلى بقية الأجناس الصحافية. وهذه السنة عدت إلى الجامعة لدراسة الصحافة من خلال الإجازة المهنية للتحرير الصحفي. ألا تشعر بالندم لأنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟ أشعر بالندم لأنني لم أختر الصحافة منذ البداية! بعيدا عن الصحافة، ماهي اهتماماتك الأخرى؟ إلى جانب الصحافة أهتم بالأدب وبالثقافة، أصدرت "يوميات أستاذ خصوصي" في 2012، و"أوراق بوكافر السرية" في 2014، و"شهيد على قيد الحياة" في 2015 ورواية "تقارير مخبر" سنة 2016. ربما ما أفعله مرتبط ببعضه، لأن أغلب مشاريعي الثقافية توجد في ذلك الحُقَيل الذي يوجد بين الصحافة والأدب. ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟ أحب أكادير كثيرا، بها درست واشتغلت. لكن لمسقط رأسي بزاكورة معزة كبيرة، ما زلت أداوم على زيارة المنطقة وأحمل هموم الجنوب الشرقي أينما ذهبت، وأكتب عنها، ولو عن بُعد، وكثيرا ما قطعت أزيد من 500 كيلومتر من أجل أن أبيت ليلة أو ليلتان في بيت العائلة نواحي تازارين، فقط لتحميل رقاقة خاصة توجد في وجداننا ببعض الذكريات القديمة والمشاعر التي يعجز المرء عن تفسيرها. هل أنت منتظم في أوقات الكتابة؟ بشكل يومي، سواء لكتابة مواد للنشر اليومي، أو للنشر المستقبلي. فالعمل في الصحافة الإلكترونية يتطلب مواكبة كبيرة، أما فيما يخص الكتابة الإبداعية فيما تبقى لدي من وقت، فأومن بما قاله محمود درويش ذات يوم ما معناه، "لا أومن بوجود شيء إسمه الوحي في الكتابة، وإذا كان موجودا فيجب أن تجلس لتنتظره". كيف عشت أجواء رمضان خلال الطفولة وبعدها؟ رمضان الطفولة عندي مرتبط في ليلة القدر من كل رمضان، حيث نحمل تلك المصابيح التي تشتغل بالبطاريات، ونطارد بعضنا البعض بكل ما نملك من شقاوة في الأزقة المظلمة. أطفال البوادي يصومون قبل أن يحق عليهم، كما يتحملون مسؤوليات قبل سنها الحقيقي، لذلك أذكر طُرفة وقعت لي عندما كنت أدرس في القسم الثاني ابتدائي، كنا نصر على الصيام رغم صغر سننا. فكان معلمنا يرغمنا على شرب الماء في القسم. يلج القاعة وفي يده مقراج من الماء البارد ويبدأ في سقينا بالتتابع. كنا وقتها قد تفرجنا في فيلم "الرسالة"، لذلك تصورنا معلمنا بأنه من كفار قريش أو يهود بني قينقاع، وأنه جاء ليخرجنا من دين الله. فرفعنا الأكف الصغيرة أن تنزل عليه اللعنات، أو أن يتحول إلى كائن غير بشري، بينما ذلك المعلم، كان يرغب فقط أن نواكب شرحه للدرس بعدما لاحظ أن ملامحنا ذبلت مثل نبتة القرع وقت الظهيرة. ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟ الحرية: ضرورة لنعيش ونتقدم، دون أن ننسى أين تنتهي. الوطن: الحضن الذي يجب أن يتسع لنا مهما اختلفنا في عقائدنا، لغاتنا، ألواننا ونظرتنا للأمور. الحب: قد لا نستطيع تعريفه، أو الحديث عنه، لكن يجب أن يظهر في سلوكاتنا اليومية تجاه المحيطين بنا. رأيك في هؤلاء؟ المهدي المنجرة: يقال بأنه رحمه الله عالم مستقبليات، قرأت عنه .لكنني حاولت مرة أن أقرأ له، فلم أفلح! العروي: قامة مغربية شامخة. الزفزافي: أتمنى أن يعود حرا إلى أهله في أقرب وقت.