يعيش المغرب في الأونة الأخيرة سلسلة من الإحتجاجات في مناطق متعددة من البلاد، والحراك المتواجد في الريف هو خير مثال لهذا السيل من الإحتجاجات التي أصبحت رقعتها تتمدد، والتي لحد الان لم يتم التعاطي معها بالشكل المطلوب، ومن خلال هذه الإحتجاجات طفت على السطح مجموعة من الفئات تجاول جر هذا النوع من الإحتجاجات السلمية التي هي في الغالب إحتجاجات من أجل مطالب اقتصادية واجتماعية صرفة. وكل من يحاول دس السم في الكأس كما يقال ويحاول تلفيق التهم الواهية من هنا وهناك ويحاول تظليل الرأي العام بخصوص نوع المطالب التي يطالب بها أهل الريف خاصة والمغاربة على العموم فهو يحاول جر البلاد إلى نوع من الصراعات الضيقة التي تخدم مصالح أجندات معينة. من شاهد منا التنظيم الحضاري لجل المسيرات الإحتجاجية التي شهدتها مدينة الحسيمة وباقي المناطق المجاورة سوف يكتشف من الوهلة الأولى أن هذه الفئة من الشعب ليسوا انفصاليين كما يدعي بعض الأشخاص لأنهم لا يطالبون بشئ سوى مطالب إجتماعية وإقتصادية التي لو توفرت وقام من صوتنا لهم بالدفاع عنها ومحاولة توفيرها لما أحتج أحد، لكن أولئك الذين يحاولون جذب الأصوات وليس المصوتين لأن الأهم لديهم هو عدد الأصوات التي توصلهم إلى السلطة أم الباقي فليس مهم، لأن الدور المنوط بهم والمتمثل في الدفاع عن حقوق المواطنين ومحاولة توفير لهم سبل ووسائل العيش الكريم لا تعلوا أن تكون مجرد شعارات كاذبة يستعملونها في حملاتهم الإنتخابية. الشعب الريفي خرج للإحتجاج مكرها لأنه من عاش في هذه المناطق ولو لوهلة سيكتشف مدى معانات هذه الفئة من الشعب فلا طرق ولا بنيات تحتية ولا معامل ولا مصانع ولا متنفسات يقضي بها الشباب وقتهم ويحاولون التعبير عن دواتهم فلم يجدوا سوى الميدان ليعبروا فيه عن مدى معاناتهم، ولعل ما أصبح يروج عن هذه الفئة من الشعب أنهم انفصاليون ولا يتوفرون على الروح الوطنية التي أعتبرها من النعوت الواهية التي تحاول تضليل الرأي العام والإبتعاد عن جوهر الموضوع، ولعل ما يشد الإنتباه في الأونة الأخيرة هو بروز أفراد محسوبين على جهات معينة يدعون الوطنية وحب الوطن، أوليس حب الوطن والمواطنة تستدعي أن يوفر لك الوطن الذي تعيش فيه "بعضا" من حقوقك ويضمنها لك، أوليس من بين هذه الحقوق الحق الإقتصادي المتمثل في التوفر على فرصة شغل وهو الذي دفع أولئك الشباب والشابات إلى التظاهر للمطالبة بتوفير هذا الحق، ولكي تصبح كلمة المواطن تعني أن هذا الأخير يستطيع أن يلبي بعضا من متطلبات الحياة ولا ينتظر الإعانات التي يمن عليه لها إخوته في الخارج والتي وصفت على أنها إعانات من جهات معينة تسعى إلى زعزعت الإستقرار، بالله عليكم هل 2700 درهم كافية للإخلال بالاستقرار وتهديد النظام العام للبلاد. المواطنة تشمل مجموعة من الممارسات ولا تقتصر فقط على حمل العلم الوطني أو ارتداء قميص يحمل بعض الكلمات التي لا تعلو أن تكون مجرد كلمات خالية من محتواها، فالمواطنة تشمل المشاركة في الحياة العامة وهذه المشاركة قد تحمل أشكالا اتفاقية (تعاقدية) مثل المشاركة في الإنتخابات، أو غير اتفاقية تحصل في إطار مبادرات جماعية مستقلة كالإحتجاجات السلمية التي نظمها أهل الريف للمطالبة بحقوقهم. ومن هنا يظهر جليا أن المواطنة نوعين مواطنة فوقية "مفروضة" ومواطنة تحتية " محظورة " فالأولى تعتبر الجزء الأهم والمعترف بها رسميا والتي تشهد التطبيل والثانية وهي الأهم في نظري وهي المواطنة الحقيقية فهي ترتكز على الفرد أي أن هذا الأخير من المفروض أن يتمتع بحقوقه (الحق في التعليم، الحق في الصحة، الحق في السكن، الحق في الشغل، الحق في ممارسة الأنشطة النقابية إلى غيرها من الحقوق التي على الوطن توفيرها لكي تصبح كلمة مواطن تعني مواطن وليس شيئا أخر. للأسف هذه الحقوق ليست متاحة لكل المواطنين في بلدنا فعلى سبيل المثال لا الحصر امرأة ذهبت لتأخد موعدا للكشف بواسطة جهاز سكانير فكان أن أخدت موعدا لسنة 2019 فكيف يعقل هذا في بلد أن تنتظر كشفا بسيطا تنتظر دورك لعامين أو أكثر إذا كان في العمر بقية كما يقال وقس على ذلك فنجد أن هناك مستوصفات بدون طبيب ولا ممرض ونجد قرى معزولة بدون ماء ولا كهرباء. عدم المساواة في الحقوق هي التي تؤدي إلى الخروج للشارع للمطالبة بالإنصاف وتوفير الحد الأدنى من الحقوق ، للأسف هذه الحقوق غير متاحة في دولنا العربية لأن الإنسان العربي عامة لم ينتقل بعد من منزلة الرعية المواطن وكل من يدعي غير ذلك فهو يحاول تلميع صورة دميمة بمستحضرات تجميل فأي كمية من المستحضرات لا يمكنها ترميم هذه الصورة، لأن فكرة المواطنة بإعتبارها سلسلة من العلاقات التعاقدية بين الفرد والدولة مازالت تتميز بأنها ذات طابع العمودي حيث يغلب عليها تنفيد الأوامر بدون إبداء أي رأي فيها على الرغم من أن هذه الأوامر لا تخدم سوى شريحة صغيرة من اللوبيات التي من مصلحتها أن تبقى الأمور كما هي لأنها هي التي تستفيد من الثروات التي تتوفر عليها البلاد والبقية من الشعب عليه أن يقتات من الفتات الذي يتركونه. وهاته القلة من الأشخاص الذين يدعون الوطنية لأن الوطن بالنسبة لهم بقرة حلوب توفر لهم كل ما يحتاجون إليه ليراكموا الثروات وهم الذين يقومون بتسليط وزرع بعض الأشخاص فأي مسيرة أو احتجاج نجد مثل هؤلاء والذين يدعون الوطنية وحب الوطن والذين يقومون بتوزيع التهم المجانية وكل من خالفهم فهو انفصالي يحاول زعزعة استقرار البلد. السعي وراء تهديد استقرار البلد والانفصال كلها تهم واهية الهدف منها هو شل الحراك وشل الوعي بالحقوق الذي أصبح يتجدر عند شباب وشابات هذا البلد والذي أصبح من الصعب تمويههم وتضليلهم لأنهم وطنيون ويحبون الوطن على الرغم من كل ما يكابدونه في البحث عن لقمة العيش، ولكن وجب على الوطن مبادلتهم نفس المحبة بمحاولت فهم حاجياتهم والإستجابة لها.