نقرأ لهم دون أن نعرف تقاسيم وجوههم ولا ملامحهم، يكتبون لنا وعنا وقائع وملاحم، يخوضون "في عمق" المجتمع، في ثنايا الذات وفي قعر الذاكرة، يرسمون واقعنا ووعينا ولاوعينا بأقلامهم، بالألم حينًا وبالأمل حينا آخر. هم حملة الأقلام الذين امتهنوا المتاعب عن طواعية وقدر محتوم، هم الذين انصهروا في رحاب صاحبة الجلالة حد الذوبان. التقيناهم بعيدا عن مكاتبهم .. قريبا من القارئ، حيث تم قلب الأدوار والوضعيات وتجريب مواجهة السؤال الذي هو زاد الصحافي. وفي خضم البحث عن الجواب تحدثنا عن الطفولة وتفاصيل الحياة الشخصية في بوح صريح. ضيف الحلقة التاسعة مع ابن مدينة الحسيمة، الصحفي بسكاي نيوز عربية هشام تسمارت. ما الذي تتذكره عن طفولتك؟ من الأمور التي ما تزال عالقة بذاكرتي الطفولية، شغفي الكبير بمجلة ماجد، وحرصي على اقتنائها أسبوعيا، ففي ذلك الزمن الذي لم نكن فيه متصلين بالانترنت، كانت التسلية تتم عبر قراءة قصة أو بتصفح مجلة، وفي أحيان أخرى، بمشاهدة تلفزيون يتحكم فيه الكبار وسط العائلة. أما "الشات" فكان في صيغة أخرى أكثر متعة، إذ كنت أتبادل الرسائل الورقية مع أطفال من دول عدة، عن طريق ركن التعارف، فعرفت أناسا من دول مثل العراقوسوريا ومصر وليبيا. والحق، أن المراسلة البريدية كانت أكثر فائدة رغم عراقيلها الزمنية، فالأصدقاء الذين كنا نتواصل معهم ورقيا، كتبوا إلينا بإسهاب عن بلدانهم وبعثوا بكتب وبطاقات وعملات، وقبل ثلاث سنوات فقط، التقيت في اسطنبول صديقا سوريا عرفته على مدار 14 سنة عبر الرسائل المكتوبة. كيف جاء التحاقك بالصحافة؟ قبل لحظة امتهاني للصحافة بمثابة عمل قار سنة 2012، كانت ثمة محطات مبكرة. ففي 2005، وحين كنت في الخامسة عشرة من عمري، فزت بجائزة واحد من بين أفضل عشرة كتاب مقالة في فئة الشباب، وأهدتني مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية، شأن 29 شابا مغاربيا آخرين، فرصة القيام بجولة مغاربية، على مدى 21 يوما في المغرب والجزائر تونس. انصب المقال وقتئذ حول سبل إحياء الاتحاد المغاربي، وجرى نشره في كتاب جماعي للمؤسسة، وموازاة مع ذلك، لم أكن أتردد في بعث مقالاتي إلى الجرائد ونشرها متى ما أتيح لي ذلك. وفي سنة البكالوريا كنت مصمما على دخول المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، وحصلت بالفعل على معدل 15/20 الذي يخول لي اجتياز مباراة الولوج، لكن لم يجر استدعائي إلى المباراة، لسبب بسيط: هو أن الملف الذي بعثت به لم يصل، لأنني اخترت إرساله عن طريق البريد المضمون، وحين جرى استدعائي في العام الموالي، لم أستطع إقناع أحد من أهلي بفكرة تبديد عام مما درسته والانطلاق من جديد. ومن باب الاضطرار، درست الآداب في الأقسام التحضيرية للآداب، وتخرجت من المدرسة العليا للأساتذة في مكناس، وكان من المفترض أن أعمل أستاذا للغة العربية، لكن مسارا آخر كان في انتظاري، ووجدت نفسي صحافيا في الرباط، لثلاثة أعوام قبل أن أنتقل إلى الخارج. بعيدا عن الصحافة، ما هي اهتماماتك في السياسة والثقافة والرياضة والمجتمع؟ سؤالك فضفاض، المجال الوحيد الذي لا صلة لي به هو الرياضة، أما السياسة فأواكب جديدها وتحليلاتها سواء كنت في عمل أو في عطلة، لاسيما في سنوات الحراك الأخيرة، حيث باتت الأحداث تتلاحق بصورة لافتة، في الثقافة أعشق الرواية والدراما السورية وموسيقى القدود الحلبية والأغاني العراقية كما أنني حريص على التشبث بهويتي الأمازيغية. أعشق الارتحال متى ما تأتت الفرصة، وتغمرني فرحة عارمة حين أحل بمطار بلد جديد لأول مرة، وفي ذلك ما أفادني بكل صدق، فالوقوف عن قرب على تباين البشر في معتقداتهم وعاداتهم يجعلك أكثر تشربا لقيمة التسامح وتقبل الآخر. ما هي المدينة الأقرب إلى قلبك؟ ثمة مدينتان في الواقع أحس أن روحي عالقة بهما: الحسيمةومكناس. ألا تشعر بالندم لأنك لم تختر طريقا آخر غير الصحافة؟ لم أندم على الإطلاق عن اختياري هذا المجال، المثالية لا مجال لها في الحياة. أعتقد أن الصحافة تتيح لك أن تعايش الأحداث والنقاشات الكبرى وتحضر بعض اللحظات التاريخية، وتنتقل من مكان إلى آخر وهو ما قد لا يتأتى في مهن كثيرة. ألا تظن أن دور الصحفي أو السياسي ليس هو دور الكاتب؟ ثمة غايات كبرى في الحياة، فإذا كان مجتمع من المجتمعات في وضع صعب، فإن النقطة التي يتوجب أن يتوحد حولها الثلاثة هي النهوض بالأوضاع، الصحفي يجس سير الأمور ويتبين ما إذا كانت تجري بشكل سليم، والكاتب يقدم المشروع أو ينتقد الوضع القائم، أما السياسي، فيتولى تدوره في التأطير والتمثيل الشعبي. ولذلك أرى أن ثمة تقاطعا يصعب الفصل فيه بين الكتابة والصحافة والسياسة. هل تفضل أن يصفك الناس بالصحفي أو بالكاتب؟ الصحافي كاتب في المقام الأول، فهو يشتغل على اللغة ويوظف مخزونه ومقروءه، في إنتاج نصوصه. صحيح أن الصحافة قد آلت إلى كثير من الاقتضاب في يومنا هذا. في يومنا هذا، أضحى بعض المواطنين صحفيين دون أن يكونوا كتابا، لكن كبار الصحفيين كتاب بالضرورة. أما عن مناداتي فللناس أن ينادوني كما شاؤوا. ما رأيك في واقع الصحافة المغربية؟ مثل أي مشهد إعلامي، ثمة غث وثمة سمين. لكن المهنية في الاشتغال تصبح عملة نادرة، يوما بعد الآخر. ما يبعثني على التفاؤل هو أن منصات التواصل الاجتماعي قلبت كل الأوراق، وأربكت المشهد، إذ لم تعد ثمة إمكانية للتعتيم ولا تغطية الحقائق، فمقاطع الفيديو المرتجلة أصبحت تحصد مشاهدات ومتابعات فلكية. صحيح أن المنصات الاجتماعية لا تخضع لغربلة ولا لرتوشات مهنية تجعلها محتواها محترما وموضبا، لكنها أضحت سيلا جارفا وأداة إعلامية ناجعة، لا في المغرب فحسب وإنما في كافة بلدان العالم، ولنكون أمناء، فكل مغربي يملك هاتفا ذكيا أصبح مالكا لقناة فضائية قادرة على إطلاق البث المباشر في أي لحظة. هل أنت منتظم في وقت الكتابة؟ للأسف، لست منتظما، صحيح أني أنهيت روايتي الأولى وما زلت أنتظر أمر نشرها، لكني أعترف أن العمل وإيقاع الحياة السريع صارا يبعدان أكثر فأكثر عن الكتابة بأناة. أحاول قدر الإمكان أن أتخفف من المنصات الاجتماعية، لكني الرهان ما يزال صعبا. كيف عشت أجواء رمضان خلال الطفولة وبعدها؟ أجمل ما في رمضان تحلق العائلة المغربية حول مائدة واحدة، وتجمع الأصدقاء للسمر في المقاهي حتى وقت متأخر من الليل. وبما أني متمسك للمطبخ المغربي فرمضان بالنسبة إلي ليس رمضانا ما لم تحضر فيه الحريرة، سيدة المائدة المغربية في هذا الشهر. ماذا تمثل لك هذه الكلمات؟ الحرية / الحب / الوطن الحرية: شرط الحياة الحب: أجمل ما في البشاعة المحيطة بهذا العالم. الوطن: هو الكرامة ومتى ما أصبح الناس كراما في أرضهم جاز لنا أن نقول إن لهم وطنا. ما رأيك في هؤلاء: الطيب صالح / فاطمة إفريقي / صفية الطيب صالح: كاتب فذ وركن من أركان الثالوث الذي عرف المغاربة بالسودان (الطيب الصالح عبر رائعته موسم الهجرة إلى الشمال، محمد الفيتوري، وطلحة جبريل). فاطمة إفريقي: قلم نسائي جميل ينبض انتصارا للقيم الجميلة. صفية: سأواصل مناجاتها إلى أن تكلَّ وتتعب.