أن نحتكم إلى القانون سواءٌ أكان لنا أم علينا و سواءٌ أكان المحتكِم إلى القانون غنيّاً أو فقيراً، هو غاية تطمح لها كل المجتمعات لتنظيم المعاملات فيما بينها و بين من يحكمها و لكي تخرج من حكم الغاب إلى الحكم الرشيد و المعقلن. لكن هناك مثل لدى أصحاب القانون يقول 'القانون لا يحمي الغافلين' ، و ليس 'القانون لا يحمي المغفلين'، لأن المغفل اسم مفعول و الغافل اسم فاعل، و لكن أصحاب النفوذ الذين يبسطون سيطرتهم على مؤسسات الدولة يأخذون بالمثل الثاني 'المغفلين'، هذا يعني أنهم يعمدون إلى جعل المواطن غافلا من أجل السطو بطرق قانونية على مكاسبه و أملاكه، و هذا راجع بطبيعة الحال إلى القوة النافذة و المتغلغلة بين كل المؤسسات. ألا يعتبر العمل بالمثل 'القانون لا يحمي المغفلين' خرقا للقانون؟ هل صياغة قانون من أجل خدمة مصلحة شخص معين هو تطبيق سليم للقانون؟ أليس من حق المواطن معرفة القوانين التي فيها امتيازات؟ أم أن المواطن يُواجَه بالقوانين التي تمنح للسلطة الحق في هدم المنازل و الإجهاز على البضاعة التي يُسترزق بها؟ في هذه الأيام الكل يتحدث عن القضية التي باتت تعرف ب 'خدام الدولة'، و التي أثارت البوليميك في أوساط المجتمع المغربي، و لا سيما على مواقع التواصل الإجتماعي التي أضحت سلطة لا يستهان بها في عصرنا هذا، و التي أخذت لواء فضح الفساد الذي كان متسترا فيما مضى و نخر اقتصاد البلاد و جعلها في مستنقع التخلف. صدر مرسوم وزاري حُدِّدت من خلاله أثمنة بخسة لبقع أرضية مخصصة لبناء فيلات في حي تابع لمدينة الرباط، و تعتبر الأرض في هذا الحي الأكثر غلاءً في المدينة. هذا المرسوم هو بمثابة قانون يخوِّل للمواطنين اقتناء البقع الأرضية بأثمنة بخسة، و لكن لا أحد علم بالأمر إلاّ أصحاب النفوذ، ليستحوذوا على آلاف الأمتار المربعة من البقع الأرضية باسم القانون، الذي هو في الأصل خلق من أجلهم، في حين أن أبناء الشعب الذين يعيشون الويلات من أجل لقمة العيش و لا يملكون شبرَ أرضٍ في هذا الوطن و هم ركائز قيام الدولة و يساهمون بشكل كبير في الإقتصاد، صنفوا ضمن خانة المغفلين ليتم إقصائهم، بل و منهم من تهدم بيوتهم ليصبحوا في العراء و باسم القانون.. اذن هنا يمكن أن نَفْصل بين قانونين، قانون 'خدام الدولة' و هو قانون إغناء الغني، و قانون البقية العظمى و هو قانون إفقار الفقير.. فقانون إغناء الغني لا يطلع عليه إلا من وُضع من أجلهم و هم أصحاب النفوذ و يمنحهم امتيازات وراء امتيازات، و حرام على أبناء الشعب أن يطلعوا عليه إلا بعدما يصبح مفعوله خامداً، و بعدما تستنزف كل بنوده و لا يصبح صالحاً لأي زمان و مكان.. أما قانون إفقار الفقير فأول من يطلع عليه هم المستضعفون و الذين يصارعون الزمن من أجل تجاوز الظلم الإجتماعي، ليُسلَّط عليهم قانون يزيد من معاناتهم، و ما نشاهده من هدم للبيوت و الإجهاز على بضاعة الباعة المتجولين لخير دليل. إن إصدار قانون معين لخدمة شخص معين من أجل الإجهاز على ممتلكات الدولة بشكل مفرط، هو جريمة اجتماعية قبل أن تكون قانونية، و خصوصا عندما نتحدث عن الإستحواذ عن الآلاف من الأمتار المربعة من الأراضي، في حين غالبية الشعب مشرد و تائه بين دروب المدن، و أسر بأكملها تعيش في 20 متر مربع و منها من لا تملك شبر أرض في هذا الوطن العزيز، أليس هذا ظلم اجتماعي باسم القانون؟ لكن من يستفيذ من قانون الإمتيازات يَعتبر المواطن المقهور في سلة الغافلين، رغم أن هذا المواطن في الأصل جعلوه مغفلا بطريقة متعمدة لكي لا يستفيذ من الإمتيازات، و لكي تحوَّل كل الإمتيازات لأصحاب البطون الكبيرة. كيف يعقل أن دولة بكل ما تملكه من مؤسسات و خصوصا الإعلام، غير قادرة على إصال المعلومة التي تحمل امتيازات إلى المواطن، لكن بالمقابل تجدها تواجه المواطن بقوانين أخرى تعتبر مجحفة في حقه و تسخِّر لذلك كل الوسائل بدعوى تتطبيق القانون، هذه التصرفات قد تحيلنا إلى تواطؤ مكشوف بين من يصدر القوانين و من يسمون أنفسهم 'خدام الدولة'، بعضهم لبعض أولياء. لكي نلحق بركب التقدم لا سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا، و جب علينا أن نطبق كل القوانين على كل مواطن كيفما كان مركزه، و عدم الميز بين مواطن خادم للدولة و آخر غير خادم للدولة، و مشرِّع القوانين يجب أن ينظر بعين المواطن المقهور الذي لم يجد سبيلا لدفع الظلم الإجتماعي عنه.