في سنة 1998 هزني الحنين إلى مراكش الحمراء لزيارتها وصلت إلى حارة قصيبة النحاس في منتصف الليل، وهناك صادفت إحدى النسوة تصرخ بأعلى صوتها واااا امي عيشا واااااامي عيشااا، كانت تلك المراكشية تستنجد بجارة لها من زوجها السكير الذي كان يعنفها. أمي عيشة المراكشية كانت هي الملاذ وهي الحضن الذي يلجأ إليه كل أهل الحارة هروبا من كل سخط أو ألم بحثا عن الحكمة والتعقل أو شوار. اليوم أمي عيشة لم تعد الملاذ ولم تعد الحضن ولم تعد ذاك التعقل، أمي عيشة اليوم انقلب الزمن عليها لتصرخ وتستغيت بأرض عاصمة وطنها متلفعة راية وطنها وعلى مقربة من مجلس الأمة لوطنها: بيعوني أرضي على ظهري !!! أمي عيشة المرأة الشائخة العجوز المنهكة، تملك قدرة غارقة على التحدي والمجابهة والاستماتة في القتال دفاعا عن حقها، صوتها وصرختها أظهرت اليوم كآبة جهاز القضاء الذي لم يقض حاجتها. أمي عيشة أيقظت فينا اليوم تلك المقولة المغربية المتوارثة من جيل إلى جيل "والواحد يموت على ولادو ولا على بلادو ". أمي عيشة سابقت الزمن وتحدت الجسد المهترئ المنهار وكانت في القمة لتطل من أعلى على أسفل زمن لعين سافل لم يوقر ذاك الشعر، الذي اشتعل شيبا ليسمها الضر في أرذل العمر، بذل، إنه الزمن السافل الذي تنكر لأم كانت هي الحاضنة وهي الملاذ من كل ظلم. أي قوة تلك تملكها تلك المرأة العجوز الضعيف لعقود حركة احتجاجية من نوع آخر في زمن آخر في مكان ليس بالآخر. أمي عيشة اليوم أيقظت في دواخلنا المجروحة آلام جروح لم تندمل بعد، جرح أمي فتيحة مولات البغرير التي تنصف من سلطات مدينتها وهي تدافع عن دريهماتها، أمي عيشة أيقظت فينا جرح خديجة السويدي التي أحرقت جسدها الغض الطري، عندما لم ينتصر القضاء لعرضها المغتصب جماعيا. أمي عيشة هي تلك الطبقة الكادحة التي تكد صباح مساء من أجل لقمة لا طعم لها سوى أنها تسد الجوع بدون طعم ولا لون ولا رائحة ولا لذة، سوى أنها تكابد الزمن من أجل الاستمرار في زمن بدون لذة. أين ذهبت أرض أمي عيشة ؟؟!! من الخادم الذي اغتصب أرضها. هل في الطريق إلى العاصمة أمي عيشة أخرى؟؟!. الله يحد الباس عنك أيها الوطن، فالقلب طاب من تناسل قصص عوائش بدون أي عيشة مكرمة.