بوضوح تقتضيه مخرجات الممارسة السياسية بالمغرب يجب أن نقر بأن انتخابات السابع من أكتوبر قد كشفت حقيقة التحول الديمقراطي و عرت حقيقة المفاهيم التي جاء دستور 2011 متبجحا بها،سواء اعترفت بذلك النخب السياسية أم لا فاحترام الإرادة الشعبية و التداول الديمقراطي ل''السلطة'' و الشفافية وغيرها من المصطلحات التي تجعل من يسمعها يعتقد أن المغرب أرسى قواعد نظام ديمقراطي متين كلها تبدو اليوم معاكسة لمفرزات العمل السياسي و لا يمكن أن تربطها به صلة ولو من وراء حجاب فحتى الفصل 47 الذي كان يعد ضامنا لقدر يسير من إحترام إرادة الأغلبية أصبح اليوم أوسع المداخل للتجني عليها و طمس أصوات المواطنين التي سماها رئيس الحكومة السابق بن كيران بالباب الصغير و الوحيد المتاح للتعبير عن ما يريده الشعب. يحدث هذا موازاة مع صناعة آلة تبريرية عجيبة و مثيرة للسخرية مادتها الأساسية هي المتغيرات والضرورات الدولية ،إنها آلة قادرة في لحظة على أن تجعل العالم متربصا بالرباط وأنه محط أنظاره و أن تجعل بنكيران رأسا مطلوبا لترامب وأن تتهمك بأنك من أتباع نظرية '' الثورة العالمية '' دون أن يرف لها جفن أو ترى على ملامحها حمرة الخجل،هذه الآلة التي تبرر اغتصاب الديمقراطية التي فقدت عذريتها وهي لا تزال قاصرا هي نفسها التي تبرر مكانة المغرب المتميزة مع أروبا و علاقاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بما حققه من إصلاحات سياسية و ما قطعه من أشواط في تدبير ملف حقوق الإنسان. كل هذا ليس غريبا عن طبيعة الحياة السياسية بالمغرب فلطالما ألفنا توظيف فزاعة المؤامرة استخدام شماعة الضرورة لتبرير القرارات الفوقية وما تحتها،فإقالة العثماني من منصب وزير الخارجية ضرورة و عودته رئيسا للحكومة ضرورة،ودخول الإتحاد الإشتراكي للحكومة ضرورة،وإقصاء حزب الإستقلال من المشاركة في الحكومة ضرورة، و أن تجعل 37 أكبر من 127 ضرورة،وخروج المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية ضرورة و عودته إلى الإتحاد الإفريقي أيضا ضرورة،وكأن كل شيء ضروري في هذا البلد إلا حق هذا الشعب في الوعي و الكرامة و الديمقراطية. في الجهة المقابلة من كآبة منظر المشهد السياسي نجد معالم هزيمة وقعها أشد مضاضة وألما على كل من حلم يوما بفكرة '' الإمكان السياسي في المغرب ''، حيث يمكن فهم محاولة ''التحكم'' في القيام بردة على ما تحقق من إصلاحات و '' تفهم'' الإجهاز على ما تراكم من رصيد ديمقراطي منذ 2011 بأنه سنة من سنن الله في التدافع بين من يريد الفساد و بين من يريد الإصلاح،لكن الذي لا يمكن فهمه مطلقا هو أن يقوم من استأمنه الشعب على الإنتقال الديمقراطي و بوأه المرتبة الأولى في الإنتخابات بمحاولة تزييف صارخة و مكشوفة حد الفضيحة لوجه قبيح من أوجه اغتيال الديمقراطية قد أبان عن كامل أنيابه كما لم يفعل ذلك منذ زمن أن كانت أصوات الموتى توضع في صناديق الإقتراع،بل الأسوأ من ذلك أن يقوم بعض من يفترض فيهم الكلام بالصمت و أن يكتفي الآخر بقول نصف الكلام بينما أن يحاول البعض شرعنة ''الإنقلاب السلمي''على الديمقراطية تحت شعار منهج الإعتدال و التدرج الذي تلقنا بعضه من كتبهم،إلا أننا لم نكن نعلم أن منهج الإعتدال سيكون يوما ما ذوبانا في كأس السلطة المسكر.وقديما قال فولتير ما معناه ''إننا لن نؤاخذ على أحد أن يبتل إذا قام بالغطس لكننا سنؤاخذ عليه إن قام بالغرق ''.