تعتبر العلاقة الثنائية بين المغرب والصين من أهم الشراكات الاستراتيجية التي تحافظ عليها بلادنا، ويرجع هذا الامر إلى كون الصين القوة الاقتصادية الاولى عالميا، والعضو المؤثر سياسيا في المنتظم الدولي، بالإضافة إلى وزنه الحاسم عسكريا. هذا الامر تُوج بزيارة جلالة الملك محمد السادس للصين في ماي 2016، وانتقل المغرب من شراكة اقتصادية تقليدية قائمة على التبادل التجاري، إلى شراكة اقتصادية وسياسية استراتيجية، تقوم على فتح أبواب الاستثمار في المشاريع العملاقة التي يُباشرها المغرب، ومساعدة الصين على الدخول إلى افريقيا وتوسيع نفوذها التجاري والسياسي، الأمر الذي سيضمن للمغرب حليف استراتيجي قوي في المنطقة. ولعل أبرز تنزيل وتفعيل عملي على أرض الواقع لهذه العلاقة الثنائية، ترأس جلالة الملك محمد السادس، يوم الاثنين 20 مارس بقصر مرشان بطنجة، حفل تقديم مشروع المدينةالجديدة المندمجة لطنجة "محمد السادس طنجة تيك". وتعتبر هذه المدينة، تجسيدا عمليا للشراكة الاستراتيجية القائمة بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية من أجل خدمة مصالح البلدين عل أساس رابح رابح، وقد وُقعت مذكرة التفاهم المتعلقة بهذا المشروع في 12 ماي 2016، بين كل من وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، وجهة طنجة- تطوان- الحسيمة، والمجموعة الصينية هيتي. سيزاوج هذا المشروع بين الصناعة والتعمير وأنماط النقل البحري والسيار والسككي والبيئة، وسيقام على مساحة إجمالية قدرها 2000 هكتار، وعلى ثلاثة مراحل. تهم المرحلة الأولى، تهيئة فضاء سكني ذكي ومنطقة مندمجة للخدمات تضم عشرة قطاعات (الطيران، السيارات، التجارة الإلكترونية، الاتصالات، الطاقات المتجددة، النقل، الأجهزة المنزلية، الصناعة الدوائية، تصنيع المواد، الصناعات الغذائية) على مساحة 500 هكتار. بينما تهم المرحلة الثانية تهيئة منطقة لوجستية حرة على مساحة 500 هكتار تشتمل على عدد من المشاريع، ومنفتحة على آسيا، وأوروبا، وإفريقيا. وتهم المرحلة الثالثة تهيئة مساحة 1000 هكتار لإنشاء منطقة للأعمال ستحفز استقرار شركات كبرى متعددة الجنسية. سيساهم تشييد هذه المشروع المهيكل، في استقبال نحو 300 ألف شخص في طنجة، الامر الذي سيمكن من تسجيل رقم معاملات سنوي سيصل إلى 15 مليار دولار، وجلب مداخيل جبائية جديدة بقيمة 300 مليون دولار؛ بالإضافة إلى تشغيل 100 ألف شخص، ما سيمكن من إنعاش سوق الشغل وتطوير النشاط الاقتصادي وتحسين الرواج التجاري في المنطقة. ستستفيد المغرب من الخبرة الدولية الرائدة للعملاق الصيني هيتي في مجال صناعة الطيران والسيارات، وفي تدريب وتأهيل اليد العاملة، حيث سيتم تكوين 6000 شخصا سنويا، بما سيعزز تطوير الابتكارات التكنولوجية المعتمَدَة في هذا المجال. سيتيح هذا المشروع النهوض بالصناعة الوطنية عبر الرفع من حصة القطاع الصناعي من الناتج الداخلي الخام بنسبة مهمة، وهذا من أهم أهداف المخطط الوطني لتسريع التنمية الصناعية: الرفع ب 9 نقاط لينتقل من 14 % حاليا إلى 23% سنة 2020. وبالإضافة إلى الامكانيات والمؤهلات اللوجستيكية والجغرافية التي تتوفر عليها مدينة طنجة، سيساعد هذا المشروع المنطقة على جذب مجموعة من المستثمرين العالمين والفاعلين الدوليين الخواص من أجل الاستثمار بشكل مباشرة ودائم فيها، الامر الذي سيحول مدينة طنجة إلى ملتقى وأرضية للتجارة العالمية، وإلى قاطرة تنموية وطنية موجهة صوب أروبا وإفريقيا والداخل. باحث في السياسات العمومية ومتخصص في الشؤون الاقتصادية