أثارت التدوينة التي كتبها نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سليمان العمراني، أمس الجمعة، والتي دعا من خلال إلى استخلاص دروس صلح الحديبية واستحضار حديث حلف الفضول في الجاهلية، موجة كبيرة من السخرية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وذلك بسبب مضمونها الذي اعتبره عدد من النشطاء والسياسيين "استعارة فاسدة" وفي غير محلها وزمنها. أول المعلقين على التدوينة من كبار السياسيين، جاءت من عند الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري، والذي اعتبر أن العمراني عندما يقارن بين مشاورات ومفاوضات العثماني، و"صلح الحديبية"، فإن "خطابُه يضمر تمييزا خطيرا بين فريقين، على قاعدة التدين والإيمان، فريق الرسول(ص) وفريق قريش، فريق المسلمين وفريق الكفار"؟، مستغربا من لجوء العمراني إلى "الأحاديث النبوية الشريفة لتبرير مسألة سياسية ظرفية مرتبطة بشروط عرضية في الزمان والمكان". العماري أشار إلى أنه "عندما نقول أننا نخاف على الوطن من خطورة استغلال المشترك الديني، فنحن واعون بأن الأمور جدية، ولنا في تاريخ الأمم والشعوب دروس وعبر"، مؤكدا أن "هذا ما يجعلنا نردد دائما بأن الفعل السياسي هو فعل بشري، وبأنه من غير المقبول أبدا استغلال المشترك الديني لأغراض حزبية فئوية ضيقة"، متسائلا "لماذا يصر السياسيون في بلادنا على تغليف أفعالهم وسلوكاتهم الدنيوية بالنفحات المقدسة والعبر الدينية المشتركة لمنح مضامين تضفي على هذه الأفعال والسلوكات صفة القدسية والطهرانية"؟. انتقاد العمراني لم يكن من خارج حزبه وخصومه السياسيين فقط، بل جاء من داخل بيت حزب العدالة والتنمية، حيث دعا بلال التليدي عضو المجلس الوطني للحزب إلى ترك السيرة النبوية بعيدا عن مشاورات الحكومة، "على الأقل حتى نستطيع أن نناقش مرحلة سعد الدين العثماني السابقة إلى حدود 2008 اليت كانت مليئة بالديني والسياسي ونظرية التمايز وتصرفات الإمامة واتضح بعد ذلك أننا في حاجة لأطروحة الاتصال الديمقراطي". وأضاف التليدي في تدوينة له أنه بعد مرحلة العثماني "جاءت مرحلة المقاومة، لم يوظف فيها بنكيران أي مفهوم أصولي ولا أي سيرة ومع ذلك حقق الانتصارات. دعونا من التعسف، ولنناقش السياسة كما هي على أرض الواقع. تقدير في مقابل تقدير. انتهى الكلام"، يقول المصدر ذاته. من جانبه، سخر عصام الرجواني عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، من تدوينة العمراني قائلا: "سؤال لأصحاب نظرية "صلح الحديبية": متى فتح مكة؟ (للأسف استعارات فاسدة)"، وهو ذاته الذي زكاه الصحفي مصطفي الفن حينما كتب قائلا: "بدون تكوين شرعي ولا الدراية بما الكتاب ولا أهلية علمية، عاد سليمان العمراني إلى القرون الغابرة لعله يجد لنا الحلول المناسبة لقضايانا المعاصرة في مواجهة "البلوكاج" و"التحكم" وكل "الأشرار" الذين ينتظرون حزبه عند "الدورة". الفن أضاف أن "السيد تحدث عن "صلح الحديبية" و"حلف الفضول" و"حمر النعم" و"ابن عقيل" ودار عبد الله بن جدعان في صراع سياسي مغربي لا علاقة له إطلاقا بهذه المفاهيم الفقهية التي أنتجتها أمة لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"، معتبرا أن ذلك تسبب في أن "ضحكت علينا الأمم ومعها دول الاتحاد الإفريقي بكاملها لأنه بدا أن هذا الذي يسمى "النموذج المغربي" مجرد أكذوبة مادام واحد من قياديي الصف الأول في الحزب "الإسلامي" لازال يرى مستقبل البلاد والعباد بهذه النظارات المغرقة في الماضوية وفي الاستخفاف بعقول الشباب الواعي بما يجري ويدور". وفي مقابل ذلك، اعتبر الناشط عبد الرحمان فرح، أن الإسلامي حينما يتحدث عن حدث وقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهو لا يقصد بذلك إسقاطا مباشرا للموقف أو تصنيف الأطراف أو تشبيهها بل فقط يجتهد ليستنبط الحكم الشرعي فقط للإجابة عن سؤال هل يجوز له التنازل عن ابسط الحقوق أم لا؟"، مضيفة أن "قضية صلح الحديبية التي وردت في تصريح قيادي من العدالة والتنمية القصد فيها لا يتجاوز استنباط حكم والذي هو قبول التنازل عن بعض الحقوق من أجل المصلحة ولا علاقة لهذا الحكم المستنبط بطبيعة طرفي التفاوض سواء كانوا مسلمين أو كفار". من جانبه اعتبر القيادي بالحزب ومسؤول حركة التوحيد والإصلاح بجهة سوس أحمد الشقيري الديني، أن "المتأمل في شروط الحديبية يرى فيها الغبن والحيف ظاهرين على المسلمين من الكافرين في إملاء الشروط"، مضيفا على لسان الشيخ ابن القيم أنه من فوائد قصة الحديبية "أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة، ودفع ما هو شرُّ منه، ففيه دفعُ أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما"، مضيفا: "وهكذا يكون الفقه في التنازلات تحقيق المصلحة الكبرى، وإن وقع مفسدة أقل.. قال عنه ابن القيم: وهذا من أدق المواضع وأصعبها، وأشقها على النفس".