كثيرة هي المؤشرات والقرائن التي تعطي لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون الحظ الأوفر للفوز برئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، فتحقق فوزا - على الأرجح - كاسحا يعطي معنى خاصا لانتخاب الأمريكيين امرأة بالكم الهائل المتوقع من فارق الأصوات ليشهد التاريخ الأمريكي – والعالم – أول امرأة تتولى منصب الرئاسة. ولتأكيد دورها العالمي المميز، تحرص أمريكا على أن تأتي بالجديد بين الفينة والأخرى لينشغل الإعلام المحلي والعالمي بصداه، وبه تستعرض التزامها بشعاراتها التي ترفعها..، فإعلانها لرفض العنصرية ودعوتها لاحترام حقوق الإنسان يجعلها تنتخب رجلا من أصول إفريقية ليكون الرئيس الرابع والأربعين، وبه تمحو ما عرف عنها من "سواد" في النهج من قهر وظلم لذوي البشرة السوداء أو الهنود الحمر...، وأيضا في مجال المناداة بالمساواة بين المرأة والرجل في كل شيء واحترام حقوق المرأة واختياراتها فتنتخب أول امرأة على رأس الهرم السياسي للولايات المتحدةالأمريكية. هذا على الأرجح، لكن الأمر يختلف من حيث الشكل والأسلوب حين يتعلق الأمر ببلدان أخرى عريقة في الديمقراطية كبريطانيا، وفي باب آخر من أبواب الاختيار، حين عرفت مؤخرا ذاك الاستفتاء الذي أفضى إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي والذي ترتبت عنه نتائج وخيمة هي بالكاد في مراحلها الجينية إن جاز القول، إذ من بين أولى العواقب التي بدأت تلوح (بشكل غريب! ) تلكم الدعوات إلى إلغاء اللغة الإنجليزية كلغة رسمية لمنظومة الاتحاد الأوربي، وهذا في حد ذاته زلزال خطير يمس حضارة البلد "المستهدف" وهيبته وكيانه في العمق، ولقد جاء على لسان دانوتا هوبنر رئيسة لجنة الشؤون الدستورية في البرلمان الأوربي: "إن الاتحاد كان قد اختار اللغة الإنجليزية لغة رسمية لأن المملكة المتحدة اختارتها، وإذا لم تبق المملكة المتحدة داخل الاتحاد، فهذا سيعني أن الإنجليزية ستفارقنا"، بينما أظهر شريط مصور المفوض البريطاني يبكي نتيجة مغادرة بلاده للبرلمان الأوربي .. ! من هنا، ومن أمثلة عديدة مختلفة، يتبين أن الاختيار عبر الاستفتاء الشعبي موجع حقيقة قبل العملية غالبا وإثرها في حالات كثيرة، للحيرة المواكبة وعدم الإلمام بالمعطيات الكافية أو يكون ضحية تغليط في الأولى عندما ينزلق في الاتجاه الخطأ، وحين الصدمة والنتائج غير المتوقعة في الثانية فيقع التصادم ويحدث الشرخ وتتشعب الأزمات... ، مما يجعل المواطن يتحمل وحده العواقب ويحصد التبعات. ولعلنا في المغرب لا نحيد عن هذه "القاعدة" إن شئنا القول، خصوصا في ظل المستجدات السياسية والقانونية والحقوقية عموما، المواكبة للدستور الجاري والنصوص المختلفة الموازية.. وإذا كان المواطن - في الجانب الشمولي - يهتم أساسا فيما يهتم، ويتطلع إلى تحسين مستوى عيشه، وفي درجة موازية لصيقة إلى أن تتحقق العدالة الاجتماعية وينعم بالأمن ويسود التماسك الوطني والترابي العام في ظل القيم المتصلة بالهوية التي تميزنا، فلا شك حينها أن الغاية تكون قد استكملت المستوى المنشود. بيد أن الواضح الذي قد لا يغيب عن السواد الأعظم من الناس أن أحزابنا "الانتخابية" في المجمل لا تبدو مهتمة بالمستقبل الحقوقي والمعيشي والأمني للوطن وللمواطن بالجدية اللازمة وبالبرامج السياسية والعلمية والمعرفية الصادقة الناطقة، ويبدو أن معظمها - على الأقل - منشغل برصد أخطاء مفترضة لبعضها واعتماد الكذب والبهتان للنيل منها أمام السذاجة "الشاسعة" التي تتوهمها لدى "الأخوة" في المواطنين.. ! وأمام هذا الخلط الغريب فيما يفترض في المنافسة السياسية الوطنية لبلوغ الأجود والأصلح، احتراما من الجميع لعموم المواطنين وقيمهم واختياراتهم وانتظاراتهم، باعتبارهم المعنيين وباعتبارهم أيضا المسؤولين (بكل وضوح) عن النتائج التي ستترتب لاحقا عن العملية الانتخابية/ الاختيارية (...)، يبدو أن أحزابنا "الوطنية" متوقفة قبيل الحملة الانتخابية على حملة تأطيرية تؤكد عليهم المطلوب منهم أساسا وبدقة، فحق المواطن عليهم أن يتلقى برامج حقيقية واضحة ليتسنى له التمييز، وبالتالي الاختيار حتى يكون مسؤولا بحق عن النتائج البينة المعلنة وقتها، فلقد قال الكاتب علي سعيد: " قوة الصحافي لا تقوم على حقه في طرح السؤال، بل على حقه في المطالبة بالجواب"، ومن هنا يمكن القول أن كرامة الموطن لا تكمن في حقه في التصويت يوم "الاختيار"، بل على حقه في معرفة برامج الأحزاب السياسية أولا.